كانت تصريحات الرئيس محمد ولد عبد العزيز عقب زيارته لمستشفى الشيخ زايد واستقباله لبعض الشخصيات المعارضة أو المحسوبة على المعارضة كافية لإظهار حالة التشكل السياسي المرتقب عقب الانتخابات الأخيرة التي أوصلت ولد عبد العزيز إلى سدة الحكم.
هذا التشكل المرتقب، هو ما جعل العديد من المحللين السياسيين يتحدث عن إمكانية استغلال الرئيس ولد عبد العزيز له من أجل تطويعه عن ذكاء لإدارة الحكم وبناء "موريتانيا الجديد" وخصوصا بعد أن بات من المحقق الحديث عن تشكل سياسي جديد، وأنه يمكن للرئيس ركوب موجته، هذه للعبور بموريتانيا إلى شاطئ النماء.
تشكل سياسي..
هذه الانتخابات وما أعقبها من المواقف المتباينة حولها مثلت ما يمكن أن نصطلح عليه بداية التشكل السياسي الجديد الذي بدأ يظهر رغم كل تصريحات الرئيس ولد عبد العزيز القاضية بعدم إشراك المعارضة - أو تحديدا كل من لم يدعمه في الانتخابات - في الحكومة، إن لم يكن في كل القضايا المتعلقة ببناء "موريتانيا الجديدة"، وفتح الباب واسعا أمام قوى الأغلبية من خلال صلاحياتها "الواسعة" لإدارة شؤون الحكم دون أن يكون هناك من ينغص عملها أو من يمكن أن تسول له نفسه أن يتقاسم معها الكعكة.
ورغم طمأنة قوى الأغلبية من طرف العديد من المحللين السياسيين بأن كل المؤشرات تنبأ بعدم وجود أي تشكل سياسي ينسف بتشكل ما قبل الانتخابات إلا أن الرياح باتت مؤخرا تسير عكس ما تشتهيه السفن حيث أن ولد عبد العزيز بدأ يخطط لما يقول البعض أنه محاولة لتفكيك المعارضة لأسباب تتعلق بأسلوب إدارة الحكم، أو يحاول بطريقة أو بأخرى - بناء على معطيات ما بعد الانتخابات وبالأخص ما أفرزه التعاطي بين المعارضة والحكومة في الفترة نفسها - أن يشرك "المعارضة الناصحة" في إدارة شؤون الحكم ويقطع الطريق أمام "المعارضة المتشددة".
مصطلحات جديدة..
بناء على مستوى التعاطي بين الحكومة والمعارضة اصطلح العديد من المراقبين على مصطلحي "المعارضة الناصحة" والمعارضة المتشددة" فكان الأول من نصيب بعض الأحزاب والشخصيات السياسية التي اعترفت بنتائج انتخابات الثامن عشر من يولو الماضي، أو التي اعتبرتها مكسبا مهما تجب المحافظة عليه، كما أنها اتخذت من النصح والتعاطي بإيجابية مع القضايا التي تتطلب ذلك، وكذلك تثمينها للعديد من الأمور التي تستحق التثمين حسب رأي العديد من المهتمين بالشأن السياسي، فيما كان مصطلح "المعارضة الناصحة" من نصيب الذين لم يعترفوا بنتائج الاقتراع، واتخذوا مواقف يرى البعض بتشددها وإن كانوا هم يرون عكس ذلك، ويقولون أنهم إنما اتخذوها على مضض ومن أبرز مواقف المعارضة المتشددة حسب المصطلح الجديد موقفهم من الانتخابات الماضية وكذاك موقفهم من محاكمة رجال الأعمال الموريتانيين، وهي المواقف ذاتها التي ترى قوى الأغلبية أنها بالمتشددة وأصبحت تنظر، إليها - أعني المواقف - بعين الشك والريبة بل الأمر من ذلك كونهم يفسرونها على أنها محاولة لتأزيم الأوضاع وبالتالي إفشال أداء الحكومة الحالية.
استقبال وتهجم
هذا التشكل الجديد الذي برز إلى العيان وخصوصا بعد لقاء الرئيس ولد عبد العزيز للعديد من الشخصيات السياسية المهمة المحسوبة على المعارضة وبعض رؤساء الأحزاب المعارضة كذلك في مقابل التهجم وبشكل واضح وصريح على البعض الآخر من طرف الرئيس نفسه، بل ساهمت فيه أيضا – بشكل مقصود أو لا مقصود - التلفزة الوطنية التي تعد الوسيلة الإعلامية المرئية الرسمية الوحيدة في البلد، كان كافيا لإثارة الجدل حول مستقبله وهل يمكن أن يخلق ارضية جديدة ليس فقط للتصالح رغم أهمته وإنما أيضا لفتح المجال واسعا أما مشاركة الجميع في بناء الدولة الجريحة.
ديمقراطية عقيمة..
ومهما يكن فإن على الرئيس أن يستغل هذا التشكل ليس من أجل احتواء البعض وإقصاء الآخرين بل في جعل الكل يساهم حسب موقعه في الأغلبية أو في شقي المعارضة في بناء موريتانيا الجديدة التي تعهد الرئيس ببنائها لأن بناء موريتانيا الجديدة لا يمكن أن يكون حكرا على مجموعة دون أخرى كما أنه ليس مرتبطا بأداء أغلبية ولا أقلية وإنما يحتاج إلى تضافر جميع الجهود الوطنية المخلصة من أجل بنائها على أساس قوي يضمن لها النماء والازدهار، كما أن إشراك الجميع في عملية التنمية والبناء يتطلبه منطق وأسس الديمقراطية السليمة عكس ما شاع في العقود الأخيرة من سيطرة قوى الأغلبية على الحكم واستئثارهم بإدارته حتى لا أقول "بناء الدولة" تجسيدا لديمقراطية "جديدة" أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها عقيمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق