بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 22 فبراير 2012

التعليم في خطر!! / الشيخ داداه ولد آباه


عرفت موريتانيا (بلاد شنقيط) من الثراء العلمي والإشعاع الثقافي، ما جعلها موئلاً لأصحاب الهمم العالية من الطلاب الذي يفدون من كل بقعة من الأرض للاغتراف من بحرها الزاخر بالعلم والمعرفة.

وفي هذا الصدد عرفت هذه البلاد تجارب مرموقة في مجال التعليم لا تزال محل احتفاء من العديد المؤسسات التعليمية في العالم، وكذلك من علماء ومصلحين ومهتمين، عايشوا التجربة أو اطلعوا على "عينات" من مخرجاتها ونتائجها.

 لكننا في زماننا هذا ابتلينا بمن يعتقد بأن التعليم "خطر"، خاصة على مثله من الأنظمة المستبدة، ذلك أن الشعوب المتعلمة، الواعية، العارفة  بحقوقها وواجباتها، تعرف جيدا كيف تزيل أنظمتها، إذا ما استبدت، وحادت عن الطريق القويم، ولم تحقق لشعوبها طموحها في الحرية  والعيش الكريم.

 لذا بتنا من حين لآخر نشاهد مساع ظاهرة و مخططات مفضوحة لتدمير بنيتنا التعليمية وطمس تجاربنا المرموقة في ذات المجال، بل ووأد كل محاولات لبعثها من جديد، الشيء الذي بات يبعث على الأسى والقلق، إزاء "إصلاح التعليم" الذي هو دعيمة أساسية من دعائم التنمية البشرية والتقدم المجتمعي.

ومما يؤكد تأصل هذه العقيدة في من يتولى شأننا الآن، ويبين الخطر المحدق للمساعي المذكورة على مستقبل البلد، هو ما نشهده في هذه الأيام من تطورات خطيرة في مؤسساتنا التعليمية مما يمكن وصفه بأنه استهداف حقيقي للطالب الموريتاني أينما حل أو ارتحل، في الداخل والخارج، فـ"الكل ينبغي أن يحرم من حقه في التعليم، وفي التكوين أيضا".

ففي الداخل تعسكر الجامعة اليتيمة، ويرغم طلابها على إجراء امتحاناتهم تحت سياط "العسكر" في جو رهيب لا يبعث على الاطمئنان على مستقبل البلد التعليمي، ولا يخدم مستقبل الأمن والاستقرار فيه.

وكذلك يقمع طلاب المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية، وينكل بهم، ويرمي بهم في السجون، ذنبهم الوحيد أنهم طالبوا بالإبقاء عليه، مؤسسة عتيقة حملت هم "التعليم والتكوين" في هذا البلد، فخرجت أجيالا من العلماء والقضاة والأطر والموظفين، لا تزال بصماتهم بادية في كل مكان.

وأيضا، وفي جامعة "لعيون" الإسلامية حدث و لا حرج، الأمن يقتحم الحرم الجامعي، هذا إن لم يكن دخل بالفعل على الطلاب في فصولهم، لا لشيء سوى أنهم طالبوا بحقوق بسيطة بدونها لا يمكنهم أن يجزموا بأنهم يتلقون تعليما جامعيا في مؤسسة جامعية ينتظر منها أن تؤمن لطلابها مستقبلهم الأكاديمي.

هذا بالنسبة للداخل، أما بالنسبة للخارج فسنتخذ من الطلاب الموريتانيين في المغرب نموذجا، ذلك أنهم يعانون الأمرين، رغم أن طلابا آخرين في دول مجاورة يقاسمونهم نفس الواقع، من قسوة الظروف إلى قبضة الأمن.

ففي هذا العام تم حرمان المئات من الطلاب الموريتانيين من التسجيل في الجامعات المغربية بسبب تصرفات طائشة من نظام أعزل، وتمر الأيام والشهور دون أن يلوح في الأفق أي حل، وكأن هذا النظام يريد أن يقول لهم: "ببساطة لا أريد لكم - ولا لغيركم - أن تتعلموا".

والأمر من ذلك هو أنه حينما طالب الطلاب هناك، خلال أسابيع خلت، بأبسط الحقوق، أعطى "سفير النظام" بالمغرب  الضوء الأخضر للشرطة المغربية لتتولى قمعهم ولتنكيل بهم قبل أن ترمي بطائفة منهم في غياهب السجون من بينهم الأمين العام لاتحاد الطلبة الموريتانيين بالمغرب.
هذه مقتطفات أردنا أن نبين من خلالها أن تعليمنا بات في خطر، في ظل ما تتعرض له بنيتنا التعليمية خاصة في شقها العالي، من سحق غير مسبوق من قبل أزلام النظام التجهيلي الحاكم.

لذا فإني أدعو الجميع، من نقابات طلابية، وأحزاب سياسية، ونواب برلمانيين، وقادة للرأي، إلى أن يقفوا وقفة رجل واحد للتصدي لحملة التدمير الممنهج التي يقودها النظام ويستنفر لها كل طاقاته وإمكاناته، للقضاء على التعليم في بلاد شنقيط.