بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 22 ديسمبر 2010

حول أخلاقيات الصحافة

الشيخ داداه ولد آباه

إن سمو مهنة الصحافة، وارتفاع مبناها ومعناها يرتبط أيما ارتباط بمدى سماكة "المسحة الأخلاقية" التي تزين شكلها ومضمونها.

والصحفي الذي يضع نفسه موضع المحكوم بقانون "الخلق الحسن" أثناء ممارسته لمهنته، يستطيع أن يقنع العقل ويرضي القلب بما ينسجه من معالجات إعلامية تأخذ شكلها الجمالي العام من قدرته البيانية، وحسه المهني والأخلاقي.

وإذا كانت الأخلاق هي "مجموعة من العادات والتقاليد، تحيا بها الأمم كما يحيا الجسم بأجهزته وغدده" طبقا لتعريف الشيخ محمد الغزالي لها، فإن أخلاقيات الصحافة هي مجموعة من الأخلاقيات والمبادئ  والمحددات،  تحيا بها الصحافة كما يحيا الجسم بأجهزته وغدده، وذلك لأن صحافة من دون أخلاق صحافة فاقدة لروحها الحقيقية وجوهرها المكنون.

ومن المعلوم بأن مصدر الإلزام في أخلاقيات الصحافة وفي غيرها من القوانين الأخلاقية الأخرى هو مراقبة الله جل وعلا، ثم الضمير المجرد والإحساس بالواجب، وكذلك القوانين الملزمة.

من هذه المنطلقات، وعلى هامش الملتقى الدولي الأول لنقابة الصحفيين الموريتانيين حول "أخلاقيات المهنة الصحفية" والذي شارك فيه بالإضافة إلى عشرات الصحفيين الموريتانيين، خبراء ومتخصصين من دول خارجية عدة، ساهموا إلى حد كبير في بلورة الأفكار المطروحة وتحويلها إلى مجموعة من الأخلاقيات من شأنها أن تسموا بمهنة الصحافة وأن تنزلها منزلتها اللائقة بها، لتبقى الكرة الآن في ملعب الصحفي نفسه.

أردت هنا أن لا أفوت الفرصة على نفسي دون أن أسجل بعض الخواطر التي تردني من حين لآخر حيال الموضوع ذاته، بالرغم من أنني لست صحفيا بمعنى التخصص، ولا حتى بمعنى التجربة العميقة، حيث أن تجربتي مازالت في طورها الابتدائي وقد لا تسعفني جدا في تقديم تصور شافي ووافي عن موضوع أخلاقيات الصحافة، وهو الشيء الذي جعلني اكتفي بتسجيل بعض الخواطر علها أن تثري حديثا أو تثير استشكالا أو تجيب على آخر، وذلك انطلاقا من شتات من المعارف كنت قد جمعتها من مصادر مختلفة، وتجربة ميدانية لا تزال قصيرة الأمد.

وأبدأ لأقول بأن الصحفي لا بد وأن يكون عنده رصيدا أخلاقيا فطريا حتى يستطيع أن يتأقلم مع أي أخلاقيات وضعية يراد لها أن تقود تجربته الإعلامية، أو أن تقومها كلما جنح أو مال به هواه إلى النقائص، وذلك من منطلق أن "من تطبع بغير طبعه نزعته العادة حتى ترده إلى طبعه" فـ"الطبع أمالك" كما يقال.

والتجارب الإعلامية الموريتانية كغيرها من التجارب في مختلف دول العالم العربي والغربي تحتاج إلى مسحة أخلاقية سميكة جنبا إلى جنب مع القوانين الوضعية الأخرى الناظمة للعمل الصحفي، لكي تضمن لنفسها القبول ومن ثم البقاء، وبالتالي على الصحفي أن يكون ذا خلق رفيع عموما وأن يتخلق بأخلاقيات الصحافة بشكل خاص حتى يستطيع أن يضيف "مسحة أخلاقية" - هي مصدر مصداقية مؤسسته الإعلامية ومكمن احترام الآخرين لشخصه الكريم، ومهنته الشريفة – إلى معالجاته الصحفية.

وتتأكد أهمية التحلي بأخلاقيات الصحافة كلما اتسعت المساحة المخصصة لحرية الرأي والتعبير، حيث ينبغي للصحفي أن يستغل المساحة المخصصة له فيما ينفع الناس من منطلق أنه حر ومسؤول في آن واحد.

والحرية ليست مطلقة بل لها حدودها التي تمتد لتنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين، كما أن المسؤولية هي الزاد الحقيقي للصحفي باعتباره مسؤولا أمام الله عز وجل وأمام المجتمع، ويجب عليه أن يعامل نفسه انطلاقا من ذلك، بل ويتعامل مع المجتمع أيضا من نفس المنطلق، بحيث يكون جانب المسؤولية حاضرا لديه في كل الظروف المكانية والزمانية وأن تظهر بصمات الصحفي المسؤول في كل ما يقدمه للمجتمع من مواد إعلامية مهما كان نوعها.

ومهما كان للمجتمع الحق في الإعلام، وكانت الصحافة مدينة بالقيام بهذا الدور، فإن ذلك يستلزم أولا وأخيرا مراعاة المنظومة القيمية لدى للمجتمع المستهدف.

من جانب آخر فإنه من المعلوم بالضرورة أن أي إطار تشريعي ناظم للحقل الصحفي يظل قاصرا عن القيام بدوره مالم يعزز بإطار خلقي يكون بمثابة الحارس المكين الذي يحرس الصحفي من الوقوع في الأخطاء والزلات العظيمة.

وأخيرا أقول أنه إذا كانت عقوبة الذنب في الدنيا لا تقتصر على مرتكبيه فقط، بل أحيانا تعم لشمل آخرين معه، وذلك حين يتسبب ارتكاب الذنب في حبس القطر عن مجتمع معين بمجرد أن شخصا واحدا ارتكب ذنبا، فإن غياب الخلق لدى الصحفي أيضا قد لا تقتصر عقوبته على الصحفي اللاأخلاقي فقط، بل قد تعم العقوبة لتشمل جميع المنتسبين لها، وذلك حين تتسبب زلات وأخطاء صحفية خارجة عن إطار قوانين وأخلاقيات المهنة في كشف رداء الاحترام عنها، وبالتالي حرمان كل المنتسبين لها من مجرد التمتع بالامتيازات المعنوية للمهنة، كأن يبقى مجرد الانتماء للصحافة عار لا يصقله ماء البحر.

الثلاثاء، 7 ديسمبر 2010

"ويكيليكس" ضوء في آخر النفق..

الشيخ داداه ولد آباه
cheikhdadah85@gmail.com

دول عظمى تنهار لحظة بعد لحظة أمام وثائق ويكيليكس وعلى رأسهم أمريكا، ملوك ورؤساء ومسؤولون كبار في معظم دول العالم، من التي طالتها عدوى تسريب الوثائق "السرية"، أصيبوا بالقلق والإزعاج إزاء الوثائق المذكورة، وآخرون لا تزال فرائصهم ترتعد خوفا من أن تطالهم يد "ويكيلكس"، دبلوماسية دولية محرجة وربما بروز خارطة جديدة في العلاقات الدولية، مخبرون وخبراء ومختصون في حيرة من أمرهم، الكل غارق في التفسير و التحليل لكن دون جدوى، أما الرجل الأسترالي جوليان أسانغ، فيواصل تسريباته دون توقف عبر موقعه "ويكيلكس".
الوثائق التي ينشرها الموقع الأكثر شهرة وإثارة، كانت إلى عهد قريب سرية للغاية، وتتعلق في مجملها بقضايا الفساد، والجرائم التي ترتكب ضد الإنسانية، ومؤامرات الملوك والرؤساء ضد شعوبهم المغلوبة، و أخرى تكشف ضراوة صراع الهيمنة والمصالح بين الدول، وخبث مطامعها ومطامحها، لكنها الآن - على الأقل - في متناول الجميع ويمكن للكل أن يضطلع عليها وقتما أراد ذلك، فقط – أيها المواطن المسحوق - زر الموقع وحمل ما شئت من الوثائق.

وبغض النظر عن موضوع التشكيك في مدى صدقية هذه الوثائق من عدمها، وما أثارته من أسئلة، منذ ظهورها وحتى الآن، سنقدم هنا قراءة ثم رأيا حول هذه الوثائق المثيرة في هذه الأيام من خلال الآتي:

• قد يلمس القارئ المتفحص في هذه الوثائق إمكانية أن يكون الموقع المذكور يستغل من طرف جهات غربية تريد خلق "فتنة" بين دول إسلامية، في طريقها لهزيمة الأمة الإسلامية، وفي إطار نظرية المؤامرة، فنشر الموقع المذكور لوثائق سرية تتضمن مطالبة ملك السعودية للأميركيين بقطع "رأس الأفعى" قاصدا دولة إيران، قد تعتبر دليلا صريحا وواضحا على ذلك المسعى الخبيث – أعني ذر بذور الفتنة والانشقاق من طرف الدول الغربية – وهو ما لا يستغرب من هذه الدول، كما أن أمر استغلال الدول الغربية وتحديدا دولتا الكيان الصهيوني وحليفتها أمريكا، لموقع "ويكيليكس" قد يعزز منه كون الأخير لم ينشر حتى الآن أية معلومات تتعلق بالدولة العبرية، وهذا ما قد يسيء إلى سمعة الموقع، على الأقل في العالم العربي والإسلامي، أما أن يكون "ويكيليكس" يسعى من خلال نشره للوثائق المذكورة إلى إماطة اللثام عن كل مستور في كل دول العالم، وأن يبرهن على استقلاليته وبراءته من التبعية لأي دولة، غربية كانت أم شرقية، وخصوصا بعد أن هز أركان الدولة الغربية العظمى، بنشره لوثائق سرية عن الإدارة الأمريكية الشيء الذي قد يقوض استقرارها ولو إلى حين، فهذا ما قد يشفع للموقع المذكور في أن يصل إلى مبتغاه، محققا هدفه الأسمى الذي هو "تحرير الصحافة والكشف عن التجاوزات، وإنقاذ الوثائق التي تصنع التاريخ" كما عبر عن ذلك مؤسس الموقع في تصريح أدلى به لبعض وسائل الإعلام العالمية.

• من جهة أخرى يمكن القول بأن السيد جوليان أسانغ مؤسس الموقع المذكور إنما عمد إلى نشر هذه الوثائق بدافع حب المال والثروة ليس إلا، بحيث أن الشهرة التي اكتسبها بعد نشره لهذه الوثائق قد تجعل من موقعه "قبلة" للعديد من الشركات العملاقة، من التي تتسابق دوما إلى المواقع الأكثر شهرة وقراءة، من أجل الترويج لخدماتها، هذا إن لم يتحول الموقع نفسه إلى مشروع تجاري عملاق يحصد أرباحا خيالية، كالتي تجنيها مواقع أخرى من شهرتها العالمية مثل "غوغل" و"اليوتيوب" و"الفايس بوك" وغيرهما، وهو ما قد يقف، حال ثبوته، عائقا أمام تحقيق الموقع لأي هدف من أهدافه بل سترمي به الشعوب الطامحة إلى التغيير والعيش في غد أفضل في سلة المهملات وتحرمه من شرف التربع على عرش الصحافة الاستقصائية التي سيكون رائدها بلا منازع إذا ما ظل جنديا مجهولا يدافع ببسالة عن الحرية وحقوق الإنسان، ويسعى في سبيل ذلك إلى فضح الظلمة ونعت المجرمين وكشف فضائحهم المستورة حتى يتميز من بكى ممن تباكى.

• سهولة الوصول إلى هذه الوثائق أيضا، بحيث أن الراغب في تسريب أي نوع من المعلومات التي تتضمنها هذه الوثائق المسربة ما عليه إلا أن يزور الموقع الإلكتروني لـ"ويكيليكس" لتحميل ما شاء الله من الوثائق، ولتصبح متاحة أمام العامة في غضون دقائق، كل هذا وغيره، قد تتلاشى أمامه التفسيرات القائلة بلهث جوليان أسانغ وفريقه المتخصص وراء الربح المادي، بل قد يعزز من قدرتهم على خلق منعطف جديد وخلاق في المنحنى البياني للصحافة الاستقصائية في العالم.

فالقراءات إذن مختلفة والتفسيرات متعددة بتعدد الوثائق والمجالات التي تطرقت إليها، وكذلك البلدان التي طالتها هذه التسريبات، بل وأيضا عوامل، خطورتها والفترة الزمنية التي نشرت فيها، لكن في الوقت ذاته يمكني هنا القول بأن الوثائق السرية لـ"ويكيليكس" ستخفف – في أدنى حالاتها - من هيمنة عالمية وهمية كانت الولايات - إلى وقت قريب - تتبجح بها، لكن التطور التقني وقدرة "جوليان أسانغ" على امتطاء صهوتها أظهرت ببساطة هشاشة أمريكا وضعف مقوماتها بل ووهمية بسط سيطرتها على العالم، وهذا هو أكبر انجاز حققته هذه الوثائق.

كما يمكن القول بأن "ويكيليكس" بنشره لهذه الوثائق يقدم – بقصد أو غير قصد – خدمة غير مسبوقة للمواطن العربي والغربي، من حيث إطلاعه على ما يدور في كواليس ملوكه ورؤسائه ومسؤوليه، الشيء الذي كسر وهم احتكار المعلومات من طرف السلطة، أي أن مسعى تحرير المعلومات لصالح المجتمع بات يلوح في الأفق، وبتحقيق هذا المسعى، ستميل العلاقة بين السلطة والمجتمع إلى التبدل بما فيه صالح المجتمع، وهو ما قد يحمل رياح التغيير أيضا.

وأيضا تخدم هذه الوثائق كل الساعين إلى تجفيف منابع والفساد وسوء التسيير، بحيث تفضحهم أمام الأشهاد وتعبد طريقهم نحو المحاكم، وتنزع الثقة المفترضة منهم، هذا فضلا عما تقدمه للساعين إلى تحجيم الانتهاكات الخطيرة في حق الإنسان المكرم، وإعادة النظر في الوضعية العالمية لحقوق الإنسان.

وختاما، فـ"ويكيليكس" يقدم الآن خدمات من الطراز الأول للشعوب المغلوبة، ويظهر وكأنه الضوء الذي يضيء من آخر النفق، لكنه في الحقيقة يجب أن لا يشغل هذه الشعوب - حتى لا أقول الملوك أو الرؤساء أو الأمراء أو المسؤولين- عن قضياهم المصيرية وأولوياتهم في الدفع بها نحو الأمام.

الاثنين، 8 نوفمبر 2010

"التراشق" السياسي الوطني

الشيخ داداه ولد آباه
cheikhdadah85@gmail.com


يسود الحالة السياسية الموريتانية منذ انتخابات الثامن عشر من يوليو 2009، نوعا من "التراشق السياسي" بين الموالاة والمعارضة، يرجع بالأساس - إذا ما أحسنا النية - إلى أن سياسيينا المخضرمين، يعتبرونه - ربما - الأمثل والأصلح لبلد كموريتانيا، سواء من حيث تحقيق التنمية الوطنية والانتعاش الاقتصادي والاجتماعي، و السياسي حتى... أو من حيث تجنيبها – أعني موريتانيا - ويلات الزج بها في منزلقات "الحرب" أو"الحرب بالوكالة" ضد "المهربين والمخربين" أو "ضد تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، فضلا عن أوحال الارتزاق على موائد "الغير"، أو الركون لأجندته.
فكل هذه الأهداف "النبيلة" - رغم تباينها ووسع الهوة بينهما - تستحق - بطبيعة الحال - من سياسيينا كل هذا التراشق وإعادة التراشق، رغم ما أفرزه ذلك من حالة سياسية وطنية غير مستقرة، تعيش بين مخلبي وضع داخلي متأزم، وآخر خارجي أكثر جشعا وخطورة، بل لا يزال هذا التراشق يعرف طريقه نحو إعاقة قيام أي حوار بين المعارضة والموالاة من شأنه رسم خطوط معالجات ناجعة لمختلف القضايا الوطنية العالقة، حتى أصبحت دعوات الحوار في نظر - هؤلاء وغيرهم من المواطنين – نوعا من التزلف السياسي لا غير..
هذا الوضع السائد منذ انتخاب محمد ولد عبد العزيز رئيسا للبلاد وتشكل أغلبيته - التي ظلت تصف المعارضة بأنها تحاول أن تقف في وجه المسيرة المظفرة للرئيس وأغلبيته، وأنها تقوم باجترار المفردات التي طالما اتخذتها مجدافا في سباحتها المتواصلة ضد تيار المجتمع والأمة منذ خسارتها الماحقة - على حد وصفها - في الانتخابات الرئاسية الأخيرة (يوليو 2009) - لتحقيق طموحاتها، مقابل تحذير المعارضة – في مطلع الأسبوع المنصرم – من مغبة انزلاق البلاد عبر بوابة الحرب على الإرهاب إلى الارتهان لأجندة خارجية وخصوصا منها المخاطر المتعلقة بالاعتماد على شركات الارتزاق الأمني التي انكشفت مخاطرها أخيرا في التجربة العراقية.
هذا الوضع السائد، والذي ظل يأسر سياسيينا ويعمي أبصارهم عن الأخذ بأي حل مغاير يناسب قدرتهم - المفترضة - في حلحلة الأزمات، بدل التمادي في صنعها، وتخليص هذا الشعب المسكين والمغلوب على أمره من ويلات وضع متأزم لا قبل له به، يجعل الكثير من مواطني البلد يتساءل ببساطة – وله الحق في ذلك – لما ذا هذا التراشق؟ وهل له من مبررات؟ وهل سيخلق "منعكسا" إيجابيا على البلد من حيث التقويم، والرقابة، وإيجاد حلول بديلة من شأنها أن تساعد في تنمية ورقي البلد؟
أسئلة سأحاول - من خلال هذه الأسطر – الإجابة عليها، انطلاقا من كوني أحد مواطني هذا البلد، يهمني ما يدور في فلكه من شؤون، ومن حقي أن أبدي وجهة نظري فيها.

من وجهة نظري المتواضعة، ومع حسن النية – طبعا - فإن هذا التراشق السائد في الحالة السياسية الوطنية يأتي ضمن سياق طبيعي قوامه الحرص على مصلحة البلد والدفع به نحو مزيد من التنمية والتقدم فضلا عن الحرص على حمايته من الانجراف في هوة سحيقة حيث المطامع الدولية وشراكها الخطيرة والمهلكة في آن واحد، لكن المبالغة الشديدة في هذا التراشق وانحرافه عن مساره الطبيعي – حسب ما أرى – تسبب - وللأسف - في نتائج عكسية، قد تحوله مع الزمن إلى معول هدم، وخطر محدق.
أما ما يخص تبريرات هذا التراشق، فلا أرى أي مبرر له، وخصوصا أن النظام الحالي خرج من رحم انتخابات مقبولة - حتى لا أقول نزيهة - شهد عليها العالم أجمع، وقبلت أغلب القوى السياسية الوطنية بنتائجها، الشيء الذي كان ينبغي أن يطفأ من لهيب الصراع حول شرعية النظام القائم - هذا من جانب - ومن جانب آخر فإنه مهما افترضنا أو ثبت لنا بالفعل مستوى تخلي النظام القائم عن شعاره الأبرز في الانتخابات الماضية الذي هو "محاربة الفساد والرشوة" أو تناقض أداء الحكومة مع ذلك، خلال تعاطيها مع قضايا الشأن العام، أو أن ما يتخذه النظام الحالي من سياسات لا تخدم شعار "رئيس الفقراء" وما يصدره من قرارات في مراحل السلم والحرب لا تخدم الوطن والمواطن، فكل ذلك وغيره لا يمكن في أي حال من الأحوال أن يكون مبررا لهذا التراشق القائم في شكله الحالي، أحرى أن يتحول إلى عنوان مرحلة من تاريخ بلد فتي يحتاج أكثر من غيره إلى تضافر جهود أقطابه السياسية من أجل تخطيه للأوحال التي تعترض طريقه من حين لآخر وتقف عائقا أمام مسايرته ركب التنمية والتقدم.
أما عن المنعكس الإيجابي لهذا التراشق، فإنه يمكن القول بأن النقد – مهما كان لاذعا – لا بد وأن تبقى له فوائده التي قد لا تجنى من غيره، لكن من المعروف أيضا أن النقد لا بد أن يكون ناصحا، وقائما على مبدأ "الحكمة والموعظة الحسنة"، وأنه إذا ما لوحظ انتفاء الفائدة منه وجب العدول عنه فورا إلى حل آخر أكثر فائدة.
وأخيرا أؤكد للقارئ الكريم بأني من خلال ما ذكرت لا أريد أبدا التقليل من شأن خطاب المعارضة ولا من شأن ما تقوم به من أنشطة لأنها على الأقل ستبقى أكثر فائدة ومردودا من ترهات الموالاة وردودها الغير موفقة، لكني في الوقت ذاته أدعوا إلى وقف هذا التراشق في سبيل التمهيد لتنظيم حوار وطني جاد من شأنه تقديم معالجات جذرية لكل القضايا الوطنية وتحديد مستقبل العلاقة بين المعارضة والنظام بما من شأنه خدمة الوطن والمواطن.
 

الثلاثاء، 2 نوفمبر 2010

نحو إعلام أكثر حرية وتطورا

الشيخ داداه ولد آباه
cheikhdadah85@gmail.com

رغم المشاكل العدة والحادة التي لا زالت تعاني منها الصحافة الموريتانية من قبيل، هشاشة القوانين المنظمة لقطاع الصحافة في موريتانيا - كنتيجة لـ"نسبية" الحرية المتاحة للإعلام في إطار تأديته لمهمته النبيلة - وصعوبة ولوج الصحفيين إلى مصادر الأخبار- بفعل الانفتاح النسبي جدا للمؤسسات العمومية الوطنية على وسائل الإعلام – فضلا عن غياب إستراتيجية وطنية جادة من شأنها الرفع من مستوى قدرة الإعلاميين الوطنيين على توجيه مقود الإعلام بما يخدم الوطن والمواطن... كل هذا وغيره من المشاكل الجمة التي يعاني منها الإعلام الوطني والتي كان لها انعكاس مباشر على مضمون وشكل الصحافة الموريتانية، إلا أنه وبالرغم مما ذكرنا يمكن القول أن مساحة حرية الإعلام في البلد عرفت فسحة بل تحسنا ملحوظا جعلها تحتل المرتبة الخامسة والتسعون عالميا، بل المرتبة الأولى مغاربيا، صاعدة بذلك - خلال عام واحد - عشر درجات نحو التحسن في مجال حرية الصحافة، كما أنه جعلها أيضا تحظى بشهادة هامة من منظمة مراسلون بلا حدود في تقريرها السنوي لهذا العام حول حرية الصحافة، في مائة وثمانية وسبعين دولة، تفيد بأنه "في ظل حدوث انقلاب عسكري في موريتانيا تم تلافي تداعياته بتنظيم انتخابات رئاسية، ظلت موريتانيا تتمتع بمستوى أفضل في مجال حرية الصحافة يفوق نظيره في باقي البلدان المغاربية"، وهو أمر يستحق منا الإشادة والتقدير وخصوصا إذا ما نظرنا إلى أهمية حرية الإعلام كمبدأ أساسي من مبادئ الديمقراطية، وأنها مناط التنمية والحكم الرشيد.
 
لكننا في ظل هذه النتيجة "المقبولة" وهذا الترتيب "الحسن" بل ومن أجل أن يظل الإعلام الوطني يرتقي سلم الصعود بشكل أسرع، ارتأيت هنا – باعتباري أحد المتطفلين على "سخيله" - تقديم رؤية صريحة ومشفقة للمعنيين بقطاع الإعلام، من جهات مسؤولة، وصحافة عاملة، بهدف الدفع بالإعلام نحو مزيد من التقدم والازدهار، وتتلخص هذه الرؤية في ما يلي:
• أولا: على الصحافة أن تلتمس الحقائق وتلتزم بها وتتسم بالصدق والدقة بعيدا عن التحريف والتضخيم، فالمبالغات الزائدة من قبل الصحافة قد تؤدي إلى نتائج عكسية في المجتمع، كما أن الشفافية هي المعيار المناسب للحكم على مصداقية الصحافة.
وأيضا على الصحف والمواقع الالكترونية أن يتبنوا القضايا الوطنية بمزيد من الموضوعية والحياد بعيدا عن التهويل والمزايدات، وأن يجعلوا منطلقهم العام في ذلك خدمة المصالح العامة بعيدا عن المصالح الفئوية الخاصة.. وخدمة التنمية المحلية بعيدا عن محاولات التشويش.. كما أن عليها أيضا تترفع عن التوظيف الفكري للقضايا والوقائع، وأن تتعامل بمسؤولية أكبر مع مستوى الثقة التي يمنحها لها المواطن البسيط وأهل الشأن والرأي، حتى تؤدي دورها المنوط بها، من تنمية الوعي المجتمعي وتثقيف الرأي العام وتوجيهه، فضلا عن استقصاء جميع نواحي الفساد والسعي إلى تحجيمها، وأن لا تنسى أو تتناسى أن مناط ذلك كله التمتع بالمصداقية والمصداقية فقط.

• ثانيا: على الجهات المعنية ما يلي:
1- إلغاء كل المواد التي من شأنها تقييد الإعلام كالتي تجيز الرقابة القبلية على الصحف ومصادرتها أو حظر صدورها.
2- إلغاء كل البنود التي قد تفرض قيودا على الحريات العامة من قانون السمعيات البصرية في موريتانيا الذي أجيز بعد أشهر من الآن من طرف البرلمان الموريتاني، ومراجعة تلك التي قد تمنح الحكومة سلطة تقديرية تخولها تحديد شروطا – قد تكون مجحفة - تمنح على أساسها التراخيص للجمعيات والمنظمات الراغبة في فتح إذاعات ومحطات إعلامية.
3- إلغاء بند حبس الصحفيين على القضايا المتعلقة بالنشر.
4- تقديم الدعم اللازم لقطاع الصحافة حتى يستطيع أن يطلع بدوره المنوط به.
5- تفعيل السياسة التكوينية، التي أعلن عنها في وقت سابق من طرف الجهات المعنية بإصلاح قطاع الصحافة، والهادفة - بحسب المعنيين - إلى الرفع من أداء الصحفيين الموريتانيين، وذلك من خلال تقديم دورات متخصصة تحسن من أدائهم الإعلامي، إضافة إلى فتح - وبشكل فعلي - قسم للصحافة بالمدرسة الوطنية للإدارة يكون قادرا على استقبال وتكوين الصحفيين من حيث قدرته الاستيعابية، واحتوائه على المعدات اللازمة، فضلا عن وضع معايير شفافة ونزيهة لاختيار المكونين والمتكونين في آن واحد.
6- أن تزن السلطات التنفيذية الأمور المتعلق بقضايا النشر والإعلام بموازين العدل، لا أن تظل تكيل التهم جزافا للصحافة دون أدنى دليل، وأن تغلب في ذلك منطق تحقيق المصالح المشتركة لا منطق المصالح الخاصة كتلميع صورتها مثلا.
وأخيرا أقول أن على الصحافة أن تساعد في ترشيد القرار الوطني - مهما كان سياسيا أو اقتصاديا أو اجتماعيا - إذا ما تثبتت وأدركت أبعاد كل قضية أرادت أو تريد نشرها، لكنها في الوقت نفسه معنية أولا وأخيرا بإيصال الأصوات المحرومة والمهمشة إلى حيث ينبغي أن تصل.
وبين هذا وذاك يظل الإعلام قوة تؤثر على سلوك البشر، وتلعب دورا في الحياة السياسية والاجتماعية، وتستطيع الإطاحة برؤساء دول، وتغيير سياسات حكومات.

الأحد، 1 أغسطس 2010

الإعلام الموريتاني وحالة الاستثناء..

الشيخ داداه ولد آباه
cheikhdadah85@gmail.com


إنه لمن من المنصف أن نعترف بوجود تجارب إعلامية وطنية "مرموقة" لبت إلى حد ما مطلب القارئ الموريتاني المتمثل في وجود إعلام وطني قادر على نقل الحدث الدائر، الوطني منه، والإقليمي بل وحتى الدولي، وأن يقدم مقاربات وتفسيرات لذلك الحدث تعتمد الواقعية والموضوعية، والحياد، بعيدا عن النمطية المخلة، والروتين المقزم، كل ذلك من أجل خدمة القارئ لاغير، وجعله يعيش الحدث كما لو كان شاهد عيان.
 
كما أنه ليس من المبالغة إذا قلنا بوجود تجارب إعلامية وطنية أكثر من ناضجة استطاعت أن تزاحم الميدان الإعلامي وترمي بثقلها فيه، في مسعى حثيثا منها نحو رسم مسار "النهضة" الإعلامية الوطنية، متسلحة في سبيل ذلك بثنائيات، التضحية والبذل، الإخلاص و الإتقان، تعميق التجارب واكتساب المهارات، لتطويع العراقيل وتذليل العوائق التي لا يسلم منها مرتادي هذا الميدان المحفوف بالمكاره، فكان لهذه التجارب الإعلامية – من خلال ما ذكرنا - أن أحدثت نهضة إعلامية غير مسبوقة يمكن وصفها بأنها أسست على "الصلصال المتين وليس على الرمال المتحركة" فسايرت – إلى حد ما - التطور الحاصل في وسائل الإعلام وفي أساليب العملية الإعلامية نفسها، كما أنها حققت - إلى حد ما - التميز الإعلامي المنشود،  من حيث أنها امتلكت الشجاعة في الصدع بالحق، وطرق بعض الملفات الحساسة بأمانة وحياد دون محاباة لأحد مهما كان سلطة متسلطة، أو مسؤولا رفيعا، أو تاجرا كبيرا، أو حتى فئة أو مجموعة معينة حاولت أو تحاول التأثير على رسالتها الإعلامية بشكل أو بآخر، فأمتعت من خلال ثالوث الإخبار الصادق والتثقيف النبيل والتربية الإسلامية، قارئها النهم، وهو الثالوث نفسه الذي ساقها إلى رسم طريقها نحو التميز والنجاح، هذا إذا ما أنضاف إلى ذلك ما تقوم به من دعوة إلى الله وتبشير بالحل الإسلامي و تنوير للرأي العام وإمداده بالحقيقة "الحقة" مهما كان ثمنها.
لكن ورغم كل هذه النجاحات السالفة لا تزال التجارب الإعلامية الوطنية عموما تعيش حالة استثناء جعلتها عاجزة عن تحقيق التميز المنشود الذي يطمح إليه القيمين عليها من جهة ويرنوا له القارئ من جهة أخرى، وذلك لأن إعلامنا الوطني لا يزال يعمل في ظروف يمكن وصفها بـ"الاستثنائية" وعلى وقع "الاجتهاد الإعلامي"، ففضلا عن كونه تحفه المكاره من كل جهة، من قانون مقيد، ورقابة مفرطة من أصحاب السلطة والنفوذ، يواجه أيضا عائقا آخر يتمثل في ندرة المتخصصين في مجال الإعلام - كنتيجة طبيعية لانعدام المؤسسات الأكاديمية المتخصصة في تدريس علوم الإعلام في البلد – مما جعل الإعلام الوطني يعتمد في اختيار عناصره على معايير، القابلية والهواية والموهبة، الشيء الذي جعلنا نقول بـ"حالة الاستثناء" التي يعيشها إعلامنا الوطني منذ نشأته وحتى الآن.
ففي وطننا الذي يخلوا من أي مؤسسة أكاديمية لتدريس علوم الإعلام تحولت كلية الآداب والعلوم الإنسانية، بحكم اللغات التي تدرس –  العربية و لفرنسية – إلى رافد أساسي للإعلاميين الموريتانيين بالرغم من خلو مقرراتها من أي وحدة بل وحتى مادة لها علاقة بعلم الإعلام، إلا ما كان من عناصر تتعلق بالنحو أو الصرف إذا ما اعتبرنا اللغة وسيلة من الوسائل لتي لا غنى للصحفي عنها للقيام بمهمته الإعلامية، كما احتلت مؤسسات أخرى ككلية العلوم القانونية والاقتصادية والمعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية المرتبة الثانية من حيث ولوج خريجيها لمجال الصحافة في موريتانيا هذا فضلا عن خريجي الثانويات والمحاظر الموريتانية، ممن لم يتحصلوا بعد على شهادات أكاديمية.
إن هذا الواقع المزري لإعلامنا الوطني جعله يرزح ليس فقط تحت وطأة "حالة الاستثناء" وإنما تحت معول ما اصطلحت على تسميته بـ"الاجتهاد الإعلامي"، الذي تظهر بصماته جلية في مخرجاته الإعلامية، بمعنى أن أغلب ما تطالعنا به الصحف والمواقع الالكترونية من مخرجات إعلامية تخلوا من اللمسة التخصصية في مقابل غلبة اللمسات الاجتهادية المتعثرة والبعيدة كل البعد عن المعايير المعتمدة في التحرير الصحفي من حيث هو فنا له أسسه وقواعده التي تشكل قوالبه المعتمدة في مختلف وسائل الإعلام العالمية وتلزم محرريها باعتمادها كقوالب لا يمكن تجاوزها أو التنكر لها في هذا المجال.
كما أن المتابع لبعض صفحات إعلامنا الوطني سيلاحظ بلاشك ذلك التردي الإعلامي المضطرد رغم كل الجهود المبذولة للحد منه من قبل النقابات الصحفية وأيضا الجهات الرسمية الوصية من خلال ما قدمته هذه الهيئات من دورات تكوينية للصحافة العاملة، تذكر فتشكر، والتي تريد من خلالها الرفع من أدائها إلا أن شيئا من ذلك لم يحصل حتى الآن، فلا يزال القارئ المواكب لمخرجات وسائل الإعلام الوطنية يجد صعوبة في التمييز بين الخبر والإعلان والتحقيق والرأي التقرير والاستطلاع على صفحات وشاشات إعلامنا الوطني، بمعنى أنه في بعض الأحيان يظهر على صفحات وشاشات إعلامنا الوطني إعلانا تجريا في ثوب خبر رغم أن الأخير يفترض أن يكون محايدا ومهنيا وبعيدا كل البعد عن الإشهار ونحوه، وهو الأمر نفسه الذي ينطبق على عموم القوالب الصحفية الأخرى من تقارير وتحقيقات وغيرها.
ومن هنا أؤكد حقيقة كنت قد ذيلت بها مقالا كتبته منذ أسابيع  تحت عنوان "الإعلام الموريتاني المقروء.. رؤية من الداخل" والذي يأتي هذا المقال تكملة له، تقول: إن بلدا يئن تحت وطأة ثالوث الفقر والجهل والتخلف حري بنهضة إعلامية مرموقة تضمن له التنمية والتقدم والازدهار.
وأضيف الآن حقيقة ثانية مفادها "أن تلك النهضة الإعلامية المرموقة لن تكون إلا بتكامل تام بين جهود الدولة باعتبارها الوصية على الصحافة والمؤسسات الإعلامية العاملة بالبلد، بحيث تولي الأولى عناية خاصة بالصحافة من حيث الدعم المالي والتكوين وفتح المجال واسعا أمامها للوصول إلى مصادر الأخبار، فيما تحترم الثانية نفسها من حيث اختيار الكفاءات واعتماد المهنية الحقة في ما تقدمه من مواد إعلامية".  

الأحد، 13 يونيو 2010

الإعلام الموريتاني المقروء.. رؤية من الداخل

الشيخ داداه ولد آباه
cheikhdadah85@gmail.com


يعول المواطن الموريتاني في الوصول إلى المعلومة والوقوف على حيثياتها، على عشرات الصحف اليومية "المستقلة" والمواقع الالكترونية الأكثر "استقلالية" والتي تقدم خدمة إخبارية يرى القائمون عليها أنها تعتمد في صناعتها "الصدق" و "الحياد" و "الموضوعية" و "المهنية" بعيدا عن الميولات السياسية والإيديولوجية وتغليب الهوى، شأنهم في ذلك خدمة الوطن والمواطن بشكل عام والنهوض بالإعلام الموريتاني بشكل خاص، وذلك طبقا لتعريفات الصحافة المتعارف عليها باعتبارها مهنة البحث عن الحقائق ونشرها بطريقة رشيدة تنفع المجتمع وتنميه.
 
ولأن الأمر الواقع - على ما يبدوا لي - مختلف تماما عما كان يجب أن يكون عليه الإعلام الموريتاني المستقل اليوم، في ظل تطور وسائل الاتصال واحتكارها لسلطة التأثير في شريحة عريضة من المجتمع كان لا بد لي أن أقف – ولو وقفة بسيطة - مع الإعلام الموريتاني المستقل لإبراز حقيقته "المرة" والتنبيه على خطورة وضعه الحالي مساهمة مني في تنوير المجتمع الموريتاني الذي يتفرج عن كثب على إعلام تتحكم فيه بشدة ثنائية "الهوى" و"الزبونية"، دافعه في ذلك شغف البحث عن المعلومة الممزوج بحسن النية.
إن نظرة بسيطة إلى الإعلام الإلكتروني في موريتانيا – وما جعلني أخص الإعلام الإلكتروني عن الورقي لأن الأخير يعتمد بشكل أساسي على الأول أي أن الإعلام الورقي ما هو إلا نسخة طبق الأصل من الإعلام الإلكتروني – سيلحظ وبجلاء ما أريد أن أتحدث عنه من تحكم لثنائية الهوى والزبونية في هذا الإعلام الوليد، بحيث أن الإعلام "المستقل" في موريتانيا بات يخدم هوى القائمين عليه وانتماءاتهم السياسية والإيديولوجية الضيقة أكثر من خدمته للمواطن الذي أصبح حائرا بين معسكرات إعلامية – إذا صح التعبير – لا حصر لها.
منها الإعلام "النظامي" - أي الناطق باسم النظام – الذي لا يقدم من الأخبار والتقارير ولا حتى مقلات الرأي إلا ما يخدم "النظام الحاكم" ويروج لسياساته وحكمه "الرشيد"، وذلك بطريقة سافرة - للأسف- لم تعد تخفى على المواطنين الأغبياء أو "المتبهللين" على لغة بني حسان، أحرى أن يخفى عن ذوي البصائر، وفي مقابل هذا الخدمة المجانية التي يقدمها للنظام الحاكم تراه أيضا يصف المعارضة بأتفه الأوصاف ويصورها بأنها غول يريد أن يبتلع الدولة والمجتمع حتى تبقى أثرا بعد عين.
 ومنها الإعلام "المعارض" الذي لا يتورع من تسفيه أحلام النظام الحاكم في بناء الدولة والحكم الرشيد ورئاسة الفقراء - هذا إن اعترف له أصلا بوجود تلك الأحلام – وفي مقابل ذلك أيضا يسعى إلى وصف المعارضة بأنها الرقيب المتفاني والناصح الأمين والمخلص الأبدي من ويلات الاستبداد وسوء التسيير وما إلى ذلك من الأوصاف..
وفي خضم هذا الانتماء السياسي يأتي الانتماء الإيديولوجي الذي يزيد هو الآخر من هذا التقسيم ويوسع دائرة الهوية بين المؤسسات الإعلامية والمواطن مضيفا في الوقت نفسه تقسيمات جديدة للتقسيمات السالفة، بحيث تجد الإعلام الإسلامي والإعلام القومي، البعثي والناصري...إلخ
وبين هذه التقسيمات السياسية والإيديولوجية تضيع الحقيقية ويغيب الإعلام الموريتاني "المفترض" القائم على الصدق والحياد والموضوعية والمهنية ليبقى المواطن هو الضحية.
وبالتالي اصبح بإمكاننا القول بغياب "الحقيقية" وانعدام أثرها في مخرجات إعلامنا اليوم - وهذه حقيقية يجب أن يقر بها كل إعلامي موريتاني – كما يمكن القول أيضا بغياب الحياد والموضوعية والمهنية في التطبيقات والمعالجات الإعلامية.
وللتنويه فأنا لا أعارض أن تكون للمؤسسات الإعلامية في موريتانيا - وفي غيرها من دول العالم - هوية أو انتماء سياسيا أو إيديولوجيا وإنما الذي أعارضه هو أن تكون هذه الهوية على حساب الحقيقية.

إن الإعلام الموريتاني اليوم - وهذه حقيقة مرة – يمكن وصفه بأنه لعبة خطرة في يد "أطفال" مدللين، يلعبون بها بطريقة أقرب إلى اللعب بالنار منها إلى معالجات إعلامية هامة ومهمة، ولذلك هم مهرة في صناعة الأخبار الكاذبة ليتهجموا بها أحيانا على من شاءوا من عباد الله وبدون استحياء لا من الله ولا من الناس، وفي أحايين أخرى من أجل الترويج لهذه الفئة أو تلك.
والغريب في الأمر أن بعض الإعلاميين يدفعه الفضول إلى اختلاق أخبار كاذبة، فقط لأن مصادره الإخبارية – إن كانت موجودة أصلا – لم تسعفه في ذلك اليوم بخبر جديد وأحيانا أخرى بحجة الجري وراء السبق الإعلامي.
وليس ذلك فقط بل من المؤسسات الإعلامية من لا تتحرز من المساهمة في  تزوير التاريخ من خلال نشر بعض المقالات الكاذبة والمليئة بالمغالطات – هذا إذا كانت تخدم هويتها وفكرها وانتماءها السياسي – وذلك لأن الفكرة في نظر تلك المؤسسات الإعلامية - أو علة الأقل بعض القيمين علها - تجب خدمتها ولو بالكذب والتملق والتزوير، وليس هذا فقط بل تسعى بعض المؤسسات الإعلامية إلى التعتيم على كل الأخبار والمقالات التي تخدم جهة غير تلك التي تتبع لها هذه المؤسسة مخالفين بذلك مبدأ حرية الإعلام ومجهزين على ضرورة الانفتاح الإعلامي بما يخدم تنمية ورقي البلد.
إن وجود هذا النوع من الإعلام "الاستنساخي" أو إعلام "ملء الفراغ" أو الصحافة "الصفراء" أو "البشمركة" - سميه ما شئت - قد يكون طبيعيا - شيئا ما – إذا ما تعلق الأمر ببلد لا توجد به ولو كلية واحدة للإعلام وجل القائمين على مؤسساته الإعلامية هم من غير المتخصصين في هذا الفن بل مجرد حثالة من البشر احترفت الاقتيات من الإعلام وركوب أمواجه بحثا الشهرة والمنصب والجاه.
إن هذا الواقع المتردي للإعلام الموريتاني اليوم يجعل من المهم جدا الحديث أو المبادرة إلى إنشاء معهد أو كلية للإعلام في موريتانيا تعمل على تكوين الإعلاميين الموريتاني الحاليين وتخريج أطر إعلامية لاحقة قادرة على النهوض بالإعلام باعتباره نبض المجتمع ومرآته العاكسة، الشيء الذي سيساهم - بلاشك - في تنمية البلد وخلق فضاء رحب لتبادل الرؤى التي تخدم البلد والمواطنين أولا وأخيرا بعيدا عن التجاذبات السياسية والإيديولوجية المقيتة.
إن هذا الواقع جعلني أكون سعيدا ذات مرة بتصريحات وزير الاتصال الموريتاني في مؤتمر صحفي له مع مجموعة من الوزراء الموريتانيين بوزارة الاتصال، حين قال في رده على أحد الصحافة كان قد سأله عن إمكانية مقاضاة الدولة لمن تهجموا على المعارضة من خلال تقرير إخباري في وسيلة إعلام عمومية حيث قال "إن هذه الأخطاء الإعلامية هي أمر طبيعي وناتج عن عدم خبرتكم أنتم الصحافة، مضيفا أن الصحافة في موريتانيا تحتاج إلى التكوين ولذلك سيسعى إلى إنشاء معهد للإعلام بالمدرسة الوطنية للإدارة بهدف تكوين الصحافة حسب تعبيره".
كما جعلني أيضا أسعد أكثر بلقاء وزير الدفاع الموريتاني بالصحافة الموريتانية لمناقشة الكيفية التي يجب أن يتناول بها الإعلام قضايا الجيش.
ولأنني أتحفظ جدا على تصريحات وزير الاتصال هذه تماما كما أتحفظ على لقاء وزير الدفاع الموريتاني بالصحافة لما في الأولى من التستر على فضيحة إعلامية بينة ولا يمكن السكوت عليها والثانية من صبغ الإعلام بالصبغة العسكرية والإدلاء عليه برداء الدكتاتورية الهدامة، إلا أن السعادة التي غمرتني اتجاه هاتيتن القضيتين هو كوني أحس فعلا بخطر الإعلام ليس على الجيش أو على المعارضة أو على النظام، وإنما أحس بخطره على المواطن والمواطن فقط، وذلك لأن الإعلام – لمن لا يعلم – هو من يملك القوة الخارقة في التأثير على المجتمع وخصوصا في ظل ثورة المعلومات، بحيث أنه يقترض منه أن يكون المشكل الأساسي للأفكار والثقافات والضامن الأساسي للحفاظ على الهوية والمنمي الأول لملكة الوعي من خلال التبصير بالحاضر بناءا على تفسيره للماضي مما يمهد الطريق لرسم المستقبل المنشود بعد التنبؤ به، والأكثر من ذلك فهو قناة تماسك المجتمعات ووحدتها.
ومن هنا – ومن خلال هذه الرؤية المتواضعة للإعلام الموريتاني – فإنني لا  أعمم هذا التردي الإعلامي على جميع المؤسسات الإعلامية العاملة بالبلد، لأن التعميم قد ينجر عنه عدم الإنصاف، وذلك لأنه توجد أيضا بعض المؤسسات الإعلامية المحترمة – رغم قلتها - والتي تقوم بواجبها الإعلامي في جو التوازن والصدق والحياد والموضوعية، كما أنه من غير الإنصاف أن أقول أن كل الإعلاميين الموريتانيين غير متخصصين لأنه يوجد أيضا بعض الإعلاميين المتخصصين أو - على الأقل - خاضوا تجارب إعلامية ناجحة قدمت للمجتمع الجيد والمفيد رغم قلتهم أيضا.
كما أنني لا أحمل الإعلامي الموريتاني كل المسؤولية – بالرغم من أنه يتحمل الجانب الكبر منها – بقدر ما أحمل المواطن الموريتاني جانبا من المسؤولية في تردي الإعلام وهزالة مخرجاته وذلك لأنه – على الأقل - قبل بالأمر الواقع ورضخ له إن لم يكن ساهم - بشكل أو بآخر - في حصوله.
ولذا فإني ادعوا المواطن الموريتاني كما ثار في السابق على تردي الأوضاع المعيشية في البلد أن يثور أيضا في الوقت اللاحق على الإعلام في موريتانيا ثورة حقيقية ليس أقلها المقاطعة الكاملة له حتى يراجع وضعيته ويقوم بخطوات جادة نحو تغييره.
كما ادعوا الدولة – التي هي أيضا تتحمل جانبا أكبر من المسؤولية – إلى أن تسعى وبشكل جاد وسريع إلى العمل على النهوض بقطاع الإعلام وتطويره وأن تحشد مواردها وإمكانياتها لتكوين الإعلاميين الموريتانيين تكوينا حقيقيا حتى يتسنى لهم القيام بهمتهم الإعلامية على أكمل وجه.
كما ادعوا الدولة كذلك إلى فتح كلية للإعلام أو معهد - على الأقل- لتخريج كادر إعلامي متخصص قادر على النهوض بالإعلام، أن تحيط المؤسسات الإعلامية بالعناية التامة حتى تتخطى وضعيتها الحالية بما يضمن لها مزيدا من التألق والازدهار.
ولا أنسى هنا أن ادعوا جميع النقابات الصحفية الوطنية أن تنصب جهودها حول النهوض بالإعلام وأن تلعب دورها المنوط بها في ذلك.
وأيضا ادعوا جميع الإعلاميين إلى الوقوف مع أنفسهم وقفة محاسبة بهدف الوقوف على أخطائهم الإعلامية ومحاولة تصحيحها بعيدا عن التعنت والإصرار، وأن يتوبوا توبة نصوحا من تلك الأخطاء على نية عدم العودة إليها وأن يعقدوا العزم على رسم مسار إعلامي جديد يتأسس قدسية الخبر والحياد في تقديمه وحرية الرأي وفتح المجال واسعا لظهوره هذا مع العمل على أن تتربع الحقيقة على عرش المخرجات الإعلامية في المسار الجديد.
وأخيرا إن بلدا يئن تحت وطأة ثالوث الفقر والجهل والتخلف حري بنهضة إعلامية مرموقة تضمن له التنمية والتقدم والازدهار.

الجمعة، 4 يونيو 2010

في استقبال محمد غلام (سفير الحرية)..

الشيخ داداه ولد آباه
cheikhdadah85@gmail.com


قدر الله أن أكون من بين الذين استقبلوا سفير الحرية ورافع علم موريتانيا على سفينة مرمرة وهو الأمين العام للرباط الوطني لنصرة فلسطين الأستاذ محمد غلام ولد الحاج الشيخ، فقرت عيني بتفاصيل الاستقبال بدءا بقاعة الشرف بمطار انواكشوط مرورا بالاستقبالات الشعبية له عند باب المطار والمسيرة الراجلة التي رافقت السيارة التي أقلته من المطار وحتى مقر تواصل وانتهاء بخطابه المميز والمفعم بالحيوية والإيمان والأدب والتواضع لله عند مقر التجمع الوطني للإصلاح والتنمية (تواصل).
 

ولأنه رجل ضحى بنفسه وماله وجهده ووقته وكل ما يملك من أجل نصرة فلسطين وكسر الحصار عن غزة ولأن قلوب الموريتانيين تتلهف للقراءة عن تفاصيل إستقباله لذلك أردت أن  أنشر هذه الكواليس التي سجلتها - بصعوبة - من مختلف محطات الاستقبال.
كانت ليلة جميلة بكل المقاييس نسيم بارد نتنسمه ونحن في انتظار سفير الحرية في قاعة "الشرف" بمطار انواكشوط، كوكبة من قادة البلد العلمية والسياسية والفكرية والثقافية وعلى رأسهم العلامة محمد الحسن ولد الددو ترابط في قاعة الشرف تنتظر من رفع رأس موريتانيا ومثلها في أسطول الحرية - مساهما ولو بشق تمرة في كسر الحصار عن غزة – تنظر بفارغ الصبر أن ينزل هذا السفير من سلم الطائرة، وما هي إلا ساعات حتى سمعنا أزيز الطائرة فتهادى القوم – من وزراء سابقين ورؤساء أحزاب سياسية وقادة الفكر والرأي في البلد - إليها وما هي إلا بضع دقائق حتى أطل إلينا من باب قاعة الشرف حيث زاحمه باقي المستقبلين - من الذين لم يسمح لهم باستقباله عند سلم الطائرة – أطل سفير الحرية بثغر مبتسم – رغم علامات الإرهاق والتعب البادية عليه – فبدأ يسلم على هذا وذاك– بتواضع جم –، يمد يده إلى الصغير فينحني له تماما كما ينحني للشيخ الكبير، ولسانه ينطق بعبارات الحمد والشكر لله، وقبل أن يتجاوز عتبة الباب كان على موعد مع الصحفيين الذي يتلهفوا إلى عباراته الجميلة الأديبة "فأرسلها عبارات تشق السبع الطباق لتدك الحصون والمعاقل في دويلة الكيان الصهيوني البغيض قائلا " أشكر الموريتانيين الذين اختاروني ممثلا لهم في أسطول الحرية وأنا مستعد للرجوع لأن أمثلهم مرة أخرى في قافلة أخرى وأقول: إن مما اكتشفته عن قرب أن هناك كيانا بغيضا توفر له الحماية من دول غربية ليكون معول هدم للأمة الإسلامية وهذا الكيان لا يتورع عن أي كذبة يقولها لتبرير ما يقوم به من أعمال إجرام يقوم بها وأضيف أن كل السخافات التي سوقوها والتي تقول باستعمالنا للعنف ضدهم وحملنا للسلاح هي كذب وزور ولا أساس لها من الصحة"، وبعد هذا التصريح مباشرة خرج السفير ولد الحاج الشيخ من قاعة الشرف ليطل على الجماهير التي تنتظره عند بوابة المطار الخارجية حينها تعالت الهتافات والتكبيرات ولم تتمالك الجماهير التي غص بها مطار انواكشوط نفسها فأنكبت عليه لتحييه عن قرب بل تحظى بسلام عليه – ولأنه كان مرهقا – كان لزاما على المحيطين به أن يسرعوا إلى السيارة التي ستقله – وهي سيارة العلامة الشيخ محمد الحسن ولد الددو – ليقربوها منه ليركبها علها أن تخفف من ضغط الجماهير عليه، ومن إن ركبها حتى أطل من نافذتها العلوية ومعه الشيخ محمد الحسن ولد الددو فبدأ يحيي الجماهير التي تقترب من السيارة وتحاول التسلق عليها مما جعل الشرطة تتدخل لمنع الجماهير من تسلق السيارة، تحركت السيارة – التي أحاط بها رجال الشرطة من كل جانب - في سير بطيء نحو حزب تواصل لترافقها الجماهير في مسيرة راجلة وأخرى بالسيارات وذلك lن مطار انواكشوط وحتى مقر حزب تواصل – حيث كان في انتظاره أيضا آلاف الموريتانيين- نزل السفير من سيارته وصعد إلى المنصة المخصصة والتي زينت بصور أبطال الأمة من أمثال الشيخ راد صلاح ورئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان وأيضا بالأعلام - الموريتاني و الفلسطيني و التركي – وخطب خطبة هزت أركان الجمهور "قال فيها إن قيامي بهذ الرحلة - هو اصطفاء من الله لي – وهدفي منها هو مرضاة الله وأن يتقبل مني خطوات خطوتها مع أولئك الأخيار من أحرار العالم، كما قال أن سفينة مرمرة – التي كان هو من بين ركابها – أنها كانت تحمل خلاصة العالم أي 650 راكبا من مختلف دول العالم، وأضاف عشنا في هذه السفينة أجواء من الود غير عادية وكان من بين ركاب السفينة يهود ونصار وعرب أي أنها فلعا كانت تحمل خلاصة العالم في جو من الود والتراحم وكنا نحمل هما واحدا هو نصرة فلسطين وكسر الحصار عن غزة، كنا نتحدث في هنا عن خبث يهود لكننا في رحلتنا هذه شاهدنا مظاهر ذلك الخبث وكنا نرى كتاب الله يصدق فيهم من حيث أنهم قوم لا خلاق لهم وقوم جبناء وما إلى ذلك من الأوصاف التي لا تليق إلا بهم وقال أن كل النوائب التي تحل بأمتنا هي عامل إيقاظ لها" وتحدث عن واقعهم قفي السفينة وكيف أنها كانت تحمل شبابا مسلما يتحلق للذكر للصلاة وقراءة القرآن وأضاف "قضينا أياما مع أمة عظيمة هي تركيا.
وكرر سفير الحيرة ولد الحاج الشيخ قولة أردوغان أن مصير فلسطين مرتبط بمصير اسطنبول ومصير القاهرة. 
وما إن أنهى كلمته التي تخللتها العديد من المقاطع الشعرية الجميلة والمؤثرة والتي استنهضت - بلاشك - شباب موريتانيا حتى انصرف - مودعا كل الحضور - ليأخذ قسطا من الراحة بعد أن أكمل المهمة على أحسن وجه ورفع العلم الموريتاني من على سفينة مرمرة ورفع شعار الرباط الوطني لنصرة فلسطين في أسطول الحرية وأعطى لشباب الأمة درسا يقتدى به في التضحية والبذل..
فهنيئا لك يا سفير الحرية.. هنيئا لك بطل الأمة.. هنيئا وهنيئا وهنيئا... 

الأربعاء، 2 يونيو 2010

إن ساعة الحسم قد حانت

إن ساعة الحسم قد حانت: هي كلمة قالها أمير دولة قطر في وقفة مشرفها له - تنضاف إلى مواقفه السابقة من الحرب الإسرائيلية الأخيرة الظالمة على قطاع غزة - على أثر قصف دولة الكيان الصهيوني لأسطول الحرية على شواطئ غزة، وأكررها معه – وإن كنت مجرد مواطن عادي وكارثة أن تكون مواطنا عاديا كما قال الكاتب الصحفي والمفكر الإسلامي فهمي هويدي – لكنها كلمة أعذر بها إلى الله وأريدها أن يسمعها مني كل أحد تماما كما سمعها كل العالم مما يمكن أن يطلق عليه إسم "رجل الأمة" وأمير دولة قطر الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني.

إن هذا القصف البشع والعدوان الغاشم الذي قابلت به الدولة العبرية أسطول الحرية الذي أبحر منذ أيام نحو الشواطئ الغزية تحت شعار "وجهتنا فلسطين نحمل مساعدات إنسانية" لدليل على استخفاف هذا العدو بالأمة الإسلامية والعربية وآن للأمة الإسلامية أن تضع حدا لهذا الاستخفاف من عدو جبان وحقير لا يقيم للإنسانية وزنا – ربما لأصوله الحيوانية – فهم حقا أحفاد القردة والخنازير سواء اعتبروا ذلك خطابا معاديا للسامية أم لم يعتبروه كذلك؟
إن ساعة الحسم فعلا قد حانت.. فلم نعد الآن نقتنع بالبيانات الفارغة ولا التصريحات الخاوية ولا المواقف الجوفاء بل نريدها حربا لا هوادة فيها يشارك فيها الرئيس والمرؤوس، الصغير والكبير، الرجل والمرأة، ونريدها غضبة عارمة رسمية وشعبية وطنية ودولية في الشوارع والأزقة وفي كل مكان من البلاد الإسلامية، فلا نكتفي بإرسال الرسائل فحسب وإنما نريد العمل على أن تتخذ إجراءات سريعة وعاجلة على أرض الواقع تجرم هذا العدو الغاصب وتكبل مسؤوليه بالقيود وتضعهم في الزنازين بل محاكمتهم على الفور وتطبيق حكم الإعدام عليهم.. فالوضع يا أمة الإسلام ويا أمة المليار مسلم لم يعد يحتمل.. فلا قانون يحكمنا بعد اليوم في تعاملنا مع أي صهيوني على وجه الأرض "فاليوم أقولها وبصراحة – كلنا إرهابيون- نعم كلنا إرهابيون، لأن الإرهاب الصهيوني الذي تجاوز الخطوط الحمراء يجب أن لا يقابل إلا بإرهاب يماثله بل يفوقه بشاعة حتى نقتص لأنفسنا ولأبناء أمتنا..
ومن هنا أحيي كل شهداء أسطول الحرية – الذين أتمنى لو كنت بينهم – وأشد على عضدهم جميعا، كما أحيي كل من شارك في هذا الأسطول المبارك الذي انطلق من أرض العثمانيين المباركة حاملا مساعدات إنسانية - لا غير - لشعب أبي صامد في وجه العدوان منافح عن أرض الإسراء والمعراج.

وأحيي هنا وبشكل خاص الأستاذ محمد غلام ولد الحاج نائب رئيس حزب تواصل وممثل بلاد شنقيط في الأسطول والإعلامي الموريتاني محمد فال ولد بوخوصة مراسل قناة الجزيرة الإنكليزية الذي يرافق الأسطول هو الآخر.

أحيي الجرحى الذي سقطوا في الهجوم الغاشم وعلى رأسهم شيخ الأقصى الشيخ رائد صلاح شفاه الله وعافاه، كما أحيي الجرحى والشهداء الأتراك الذي كان لهم نصيب الأسد في هذا الهجوم البشع والظالم.

أحيي كل المواقف التي اتخذت حتى الآن من طرف قادة ورؤساء الدول الإسلامية وأشد على عضدها وننتظر مواقف أخرى مشرفة وأكثر تأثيرا..

أحيي كل الدول التي طردت سفراء العدو الصهيوني وتلك اكتفت باستدعائهم وأتمنى أن يكون ذلك تمهيدا لطردهم خاسئين من بلاد الإسلام والمسلمين.

وأخيرا أذكر العالم الإسلامي والعربي أجمع رؤساء ومرؤوسين بأن ساعة الحسم قد حانت وآن لرابطة الدين والدم والإنسانية أن تحرك العالم أجمع لإنقاذ إخواننا في أرض الإسراء والمعرج وتحرير أقصانا من أيدي الصهاينة الغاصبين والقضاء على دولة الكيان الصهيوني.
وحسبنا الله ونعم الوكيل..

الأربعاء، 26 مايو 2010

تعليقات بسيطة على "سفالات" وردتني من "الرفاق" القومين

أخوتي الكرام - من الذين تلقت ردودهم على مقالي - أريد هنا لا أن أرد عليكم لأن ذلك ليس من عادتي ولذلك لم أسمي مقالي السابق "برد" ولأنكم أيضا لستم كتابا تستحقون مني الرد وإنما من أجل فقط أن أسوق لكم جملة من المميزات التي تتميزون بها عن غيركم لأنكم قوم "تراؤون الناس" وتحبون ذكر "محاسنكم" ومميزاتكم، كما سأعلق قليلا على ترهاتكم التي وصلتني..

أولا: مما لمسته فيكم من المميزات قدرتكم الفائقة في الكذب والتملق وإلصاق التهم بالأشخاص وبدون استحياء لا من الله ولا من الناس.

ومن كذبكم أنو تقولوا بأنني قلت في مقالي بالرد عليكم وأن كان الرد عليكم جائز وما أقتطفته أخي من مقالي يقيم الحجة عليك وهو كالتالي: يقول هذا المسكين (((عاد القوميون من جديد، عودة ليست حميدة - بطبيعة الحال - وإنما عودة سافلة، لا يضاهيها في السفالة إلا مستوى الخطاب الهابط الذي وصلوا إليه - على الأقل في الأسابيع الأخيرة - ربما لأن العودة التي يردون أو يحلمون بها لم تعد ممكنة، فالعصر الذي يصفونه بـ"الذهبي" في تاريخهم "النضالي" أصبح في خبر كان ولم يعد قابلا للرجوع من جديد.))

ثانيا: ما لمسته فيكم من جهلكم للتاريخ والجغرافيا معا.

ثالثا: ما لمسته فيكم من محاولات تزوير التاريخ تماما كما يحاول بني صهيون تزوير التاريخ الإسلامي من أجل إقناع المسلمين بأن لا حق لهم في فلسطين، لكن أقول لكم هنا أن لا أنتم ولا بني صهيون يمكنكم أن تزوروا التاريخ فهو مكتوب في الكتب ومحفوظ في أدمغة الإسلاميين.

رابعا: حقدكم على الإسلاميين وحسدكم لهم، لكن لن نرد على ذلك الحسد إلا بالإنجازات على أرض الواقع في حتى تزدادوا غيظا على غيظ "فقد قال منظروا التنمية البشرية ما مضمونه "أقتل حاسدك بما تنجز لأن إنجازاتك هي التي تغيظه"

خامسا: لا تفرقوا بما هو "عيب" يستحق أن يعاب به المرء وما ليس بعيب و هذا ما يوضح بجلاء سجاياكم (...).

ولأن ما لمست فيكم أكثر وأكثر، سأتجاوز لأعلق قليلا على ردودكم الفاترة وذلك لأن وقتي أغلى عندي من أن أضيعه في الإسهاب في "ما لمسته فيكم من سجايا ومميزات (....)" أخوتي الكرام أنا لست كاتبا حتى تصفوني بالكاتب وتسكعي من أجل الحصول على الباكالوريا هذا ليس من العيب، ولكن للتصحيح أنا لم أعد الباكالوريا خمس مرات فقط حاول تدقيق معلوماتك، وإن كانت إعادة الباكالوريا ليست عيبا أعاب به فلعلمك "المصباح الكهربائي الذي سيعجز بلا شك - إذا حاول ذلك - عن الإضاءة في الظلام الدامس الذي تتخبط فيه مع زملائك لم يضأ في تجربته الأولى ولا حتى في التسعة والتسعين".

أما ما يخص وصولي إلى غبار الجامعة فهذا أتشرف به فإذا كان ليس في جامعة نواكشوط إلا الغبار فمرحبا به من غبار أحرى وهي من خرجت مثقفون ومفكرون أضاءوا الدنيا بثقافتهم وفكرهم.

أما ما يخص "الفتاة" التواصلية فستكتفي بالرد بأن عليكم تظل شامة للحق والصدع به ومنبرا للسياسية وللدفاع عن الوحدة الوطنية وعن المظلومين والمستضعفين و طاقة خلاقة تحرك الساحة الثقافية بدون عناء فتفيد الجميع وتستفيد.

وفي قولك أن القوميين لم يذهبوا ليعودوا فأسألك بالهء عليك أن تخبرني بمكان وجودهم وأثرهم في بلدي موريتانيا؟ دلني على مؤسساتهم الثقافية والسياسية والنقابية؟ ودلني كذلك على إنجازات هذه المؤسسات ودورها الفاعل في الجهاد كما ذكرت والدفاع عن الأمة؟.

وأقول لك أخي أنه إذا كنت قلت أنه لا "دال" علي إلا المثل القائل رمتني بدائها وانسلت، فأنا أبشرك بأني لم "أنسل" ولن "أنسل" وسأبقى أرصدكم وأقارع ترهاتكم ما بقيتم أنتم في عالمكم الافتراضي.

أما تاريخنا فلا يحتاج للذكر ولا للترويج فهو يفرض نفسه عليكم واعترافكم بنصاعته هو ما أدى بكم إلى هذه الحالة التي تعيشونها الآن.

أما ما يخص معتقداتكم فقرأت منها الكثير وعندي بحوثا عنها ومستعد لبثها لكم لكن سأمتع بمسامعكم بقصتي مع أحد كتابكم "وهي أني كثيرا ما أنسى بعض الأشياء في "التاكسي" وأبحث عنها عند محطات توقف السيارات وأجدنا أحيانا وأحيانا لا، إلا "تحفة" واحدة نسيتها في التاكسي ولم يعيني حتى السؤال عنها وهي كتاب عن مفكركم "ميشل عفلق"" فهذا الكتاب لم يعييني حتى السؤال عنه لأنه:

إذا ذهب الحمار بأم عمر * فلا رجعت ولا رجع الحمار.

وفي بقية القصة أن أحد الزملاء من خريخي الجامعة شاهدني وأنا أحمل معي الكتاب المذكور فقال لي زميلي أترك عنك هذا الكتاب فلم تحمله زمن رواجه فأجبته الحمد لله الذي لم يقر عيني بزمن رواجه" فضحك.. أخوتي أعذروني فهذه عجالة أردت أن أرسلها لكم ولم أجد من الوقت حتى لأصححها بالأحرى أن أزيدها ولأنني أريد دائما أن أختم مقالاتي معكم بما ختمتم به "خزعبلاتكم" أختم هذه المرة بـ"حقا أن كل إناء بما فيه يرشح".

1 مشاركة
تعليقات بسيطة على "سفالات" وردتني من "الرفاق" القومين بقلم: الشيخ داداه ولد آباه 26 أيار (مايو) 16:34, بقلم عربي مسلم غيور على وطنه و أمته
غريب أمركم ياهؤلاء! تزرعون بذور الشقاق و تشعلون الفتنة بدون تردد! قومي او إسلامي.. الأمر سيان ما دام الهدف هو تنمية العالم العربي و الاسلامي و النهوض به. و لنتعلم من القرآن الذي نزل بلسان عربي فصيح. قال تعالى : و انذر عشيرتك الأقربين. صدق الله العظيم، الأقربين اي العرب. فمن العرب انطلقت الشرارة الأولى للاسلام ليعم البشرية جمعاء رحمة للعالمين.
فالمنادي بالوحدة العربية سينتهي به المطاف في وحدة العالم الاسلامي لا محالة، خاصة وأن غالبية العرب مسلمون. و إن نظرة فاحصة للواقع اليوم، تكفي لمعرفة ان القضية الأولى لدى العالمين العربي و الاسلامي هي قضية فلسطين.
لنتذكر جهود صدام القومي في دعم فلسطين و شهدائها -ومنهم شهداء حماس و الجهاد الاسلامي و فتح وغيرهم- حتى في أحلك الظروف (اثناء الحصار)، و تحالف إيران الشيعية مع حماس و الجهاد الاسلامي السنيتين في مواجهة اسرائيل.
اما آن لنا ان نتعلم في موريتانيا أن القوميين و الاسلاميين لهم أرض و هوية و ماض و مصير مشترك؟
الحقيقة أن القوميين و الاسلاميين قد يختلفون في آليات تحقيق الهدف، لكن غياب التنسيق بينهم هو السبب الحقيقي وراءاستمرار خلافاتهم.
لكن الجلوس على طاولة التشاور و الحوار كفيل بجسر الهوة بنهم. ويمكن ان يكون دعم اللغة العربية بداية اللقاء لرص الصفوف وتوحيد الجهود، كي تعود بلادنا مركز اشعاع ثقافي عربي اسلامي، كما هو معلوم لدى القاصي و الداني في سالف العصور.