بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 8 نوفمبر 2010

"التراشق" السياسي الوطني

الشيخ داداه ولد آباه
cheikhdadah85@gmail.com


يسود الحالة السياسية الموريتانية منذ انتخابات الثامن عشر من يوليو 2009، نوعا من "التراشق السياسي" بين الموالاة والمعارضة، يرجع بالأساس - إذا ما أحسنا النية - إلى أن سياسيينا المخضرمين، يعتبرونه - ربما - الأمثل والأصلح لبلد كموريتانيا، سواء من حيث تحقيق التنمية الوطنية والانتعاش الاقتصادي والاجتماعي، و السياسي حتى... أو من حيث تجنيبها – أعني موريتانيا - ويلات الزج بها في منزلقات "الحرب" أو"الحرب بالوكالة" ضد "المهربين والمخربين" أو "ضد تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، فضلا عن أوحال الارتزاق على موائد "الغير"، أو الركون لأجندته.
فكل هذه الأهداف "النبيلة" - رغم تباينها ووسع الهوة بينهما - تستحق - بطبيعة الحال - من سياسيينا كل هذا التراشق وإعادة التراشق، رغم ما أفرزه ذلك من حالة سياسية وطنية غير مستقرة، تعيش بين مخلبي وضع داخلي متأزم، وآخر خارجي أكثر جشعا وخطورة، بل لا يزال هذا التراشق يعرف طريقه نحو إعاقة قيام أي حوار بين المعارضة والموالاة من شأنه رسم خطوط معالجات ناجعة لمختلف القضايا الوطنية العالقة، حتى أصبحت دعوات الحوار في نظر - هؤلاء وغيرهم من المواطنين – نوعا من التزلف السياسي لا غير..
هذا الوضع السائد منذ انتخاب محمد ولد عبد العزيز رئيسا للبلاد وتشكل أغلبيته - التي ظلت تصف المعارضة بأنها تحاول أن تقف في وجه المسيرة المظفرة للرئيس وأغلبيته، وأنها تقوم باجترار المفردات التي طالما اتخذتها مجدافا في سباحتها المتواصلة ضد تيار المجتمع والأمة منذ خسارتها الماحقة - على حد وصفها - في الانتخابات الرئاسية الأخيرة (يوليو 2009) - لتحقيق طموحاتها، مقابل تحذير المعارضة – في مطلع الأسبوع المنصرم – من مغبة انزلاق البلاد عبر بوابة الحرب على الإرهاب إلى الارتهان لأجندة خارجية وخصوصا منها المخاطر المتعلقة بالاعتماد على شركات الارتزاق الأمني التي انكشفت مخاطرها أخيرا في التجربة العراقية.
هذا الوضع السائد، والذي ظل يأسر سياسيينا ويعمي أبصارهم عن الأخذ بأي حل مغاير يناسب قدرتهم - المفترضة - في حلحلة الأزمات، بدل التمادي في صنعها، وتخليص هذا الشعب المسكين والمغلوب على أمره من ويلات وضع متأزم لا قبل له به، يجعل الكثير من مواطني البلد يتساءل ببساطة – وله الحق في ذلك – لما ذا هذا التراشق؟ وهل له من مبررات؟ وهل سيخلق "منعكسا" إيجابيا على البلد من حيث التقويم، والرقابة، وإيجاد حلول بديلة من شأنها أن تساعد في تنمية ورقي البلد؟
أسئلة سأحاول - من خلال هذه الأسطر – الإجابة عليها، انطلاقا من كوني أحد مواطني هذا البلد، يهمني ما يدور في فلكه من شؤون، ومن حقي أن أبدي وجهة نظري فيها.

من وجهة نظري المتواضعة، ومع حسن النية – طبعا - فإن هذا التراشق السائد في الحالة السياسية الوطنية يأتي ضمن سياق طبيعي قوامه الحرص على مصلحة البلد والدفع به نحو مزيد من التنمية والتقدم فضلا عن الحرص على حمايته من الانجراف في هوة سحيقة حيث المطامع الدولية وشراكها الخطيرة والمهلكة في آن واحد، لكن المبالغة الشديدة في هذا التراشق وانحرافه عن مساره الطبيعي – حسب ما أرى – تسبب - وللأسف - في نتائج عكسية، قد تحوله مع الزمن إلى معول هدم، وخطر محدق.
أما ما يخص تبريرات هذا التراشق، فلا أرى أي مبرر له، وخصوصا أن النظام الحالي خرج من رحم انتخابات مقبولة - حتى لا أقول نزيهة - شهد عليها العالم أجمع، وقبلت أغلب القوى السياسية الوطنية بنتائجها، الشيء الذي كان ينبغي أن يطفأ من لهيب الصراع حول شرعية النظام القائم - هذا من جانب - ومن جانب آخر فإنه مهما افترضنا أو ثبت لنا بالفعل مستوى تخلي النظام القائم عن شعاره الأبرز في الانتخابات الماضية الذي هو "محاربة الفساد والرشوة" أو تناقض أداء الحكومة مع ذلك، خلال تعاطيها مع قضايا الشأن العام، أو أن ما يتخذه النظام الحالي من سياسات لا تخدم شعار "رئيس الفقراء" وما يصدره من قرارات في مراحل السلم والحرب لا تخدم الوطن والمواطن، فكل ذلك وغيره لا يمكن في أي حال من الأحوال أن يكون مبررا لهذا التراشق القائم في شكله الحالي، أحرى أن يتحول إلى عنوان مرحلة من تاريخ بلد فتي يحتاج أكثر من غيره إلى تضافر جهود أقطابه السياسية من أجل تخطيه للأوحال التي تعترض طريقه من حين لآخر وتقف عائقا أمام مسايرته ركب التنمية والتقدم.
أما عن المنعكس الإيجابي لهذا التراشق، فإنه يمكن القول بأن النقد – مهما كان لاذعا – لا بد وأن تبقى له فوائده التي قد لا تجنى من غيره، لكن من المعروف أيضا أن النقد لا بد أن يكون ناصحا، وقائما على مبدأ "الحكمة والموعظة الحسنة"، وأنه إذا ما لوحظ انتفاء الفائدة منه وجب العدول عنه فورا إلى حل آخر أكثر فائدة.
وأخيرا أؤكد للقارئ الكريم بأني من خلال ما ذكرت لا أريد أبدا التقليل من شأن خطاب المعارضة ولا من شأن ما تقوم به من أنشطة لأنها على الأقل ستبقى أكثر فائدة ومردودا من ترهات الموالاة وردودها الغير موفقة، لكني في الوقت ذاته أدعوا إلى وقف هذا التراشق في سبيل التمهيد لتنظيم حوار وطني جاد من شأنه تقديم معالجات جذرية لكل القضايا الوطنية وتحديد مستقبل العلاقة بين المعارضة والنظام بما من شأنه خدمة الوطن والمواطن.
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق