بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 1 أغسطس 2010

الإعلام الموريتاني وحالة الاستثناء..

الشيخ داداه ولد آباه
cheikhdadah85@gmail.com


إنه لمن من المنصف أن نعترف بوجود تجارب إعلامية وطنية "مرموقة" لبت إلى حد ما مطلب القارئ الموريتاني المتمثل في وجود إعلام وطني قادر على نقل الحدث الدائر، الوطني منه، والإقليمي بل وحتى الدولي، وأن يقدم مقاربات وتفسيرات لذلك الحدث تعتمد الواقعية والموضوعية، والحياد، بعيدا عن النمطية المخلة، والروتين المقزم، كل ذلك من أجل خدمة القارئ لاغير، وجعله يعيش الحدث كما لو كان شاهد عيان.
 
كما أنه ليس من المبالغة إذا قلنا بوجود تجارب إعلامية وطنية أكثر من ناضجة استطاعت أن تزاحم الميدان الإعلامي وترمي بثقلها فيه، في مسعى حثيثا منها نحو رسم مسار "النهضة" الإعلامية الوطنية، متسلحة في سبيل ذلك بثنائيات، التضحية والبذل، الإخلاص و الإتقان، تعميق التجارب واكتساب المهارات، لتطويع العراقيل وتذليل العوائق التي لا يسلم منها مرتادي هذا الميدان المحفوف بالمكاره، فكان لهذه التجارب الإعلامية – من خلال ما ذكرنا - أن أحدثت نهضة إعلامية غير مسبوقة يمكن وصفها بأنها أسست على "الصلصال المتين وليس على الرمال المتحركة" فسايرت – إلى حد ما - التطور الحاصل في وسائل الإعلام وفي أساليب العملية الإعلامية نفسها، كما أنها حققت - إلى حد ما - التميز الإعلامي المنشود،  من حيث أنها امتلكت الشجاعة في الصدع بالحق، وطرق بعض الملفات الحساسة بأمانة وحياد دون محاباة لأحد مهما كان سلطة متسلطة، أو مسؤولا رفيعا، أو تاجرا كبيرا، أو حتى فئة أو مجموعة معينة حاولت أو تحاول التأثير على رسالتها الإعلامية بشكل أو بآخر، فأمتعت من خلال ثالوث الإخبار الصادق والتثقيف النبيل والتربية الإسلامية، قارئها النهم، وهو الثالوث نفسه الذي ساقها إلى رسم طريقها نحو التميز والنجاح، هذا إذا ما أنضاف إلى ذلك ما تقوم به من دعوة إلى الله وتبشير بالحل الإسلامي و تنوير للرأي العام وإمداده بالحقيقة "الحقة" مهما كان ثمنها.
لكن ورغم كل هذه النجاحات السالفة لا تزال التجارب الإعلامية الوطنية عموما تعيش حالة استثناء جعلتها عاجزة عن تحقيق التميز المنشود الذي يطمح إليه القيمين عليها من جهة ويرنوا له القارئ من جهة أخرى، وذلك لأن إعلامنا الوطني لا يزال يعمل في ظروف يمكن وصفها بـ"الاستثنائية" وعلى وقع "الاجتهاد الإعلامي"، ففضلا عن كونه تحفه المكاره من كل جهة، من قانون مقيد، ورقابة مفرطة من أصحاب السلطة والنفوذ، يواجه أيضا عائقا آخر يتمثل في ندرة المتخصصين في مجال الإعلام - كنتيجة طبيعية لانعدام المؤسسات الأكاديمية المتخصصة في تدريس علوم الإعلام في البلد – مما جعل الإعلام الوطني يعتمد في اختيار عناصره على معايير، القابلية والهواية والموهبة، الشيء الذي جعلنا نقول بـ"حالة الاستثناء" التي يعيشها إعلامنا الوطني منذ نشأته وحتى الآن.
ففي وطننا الذي يخلوا من أي مؤسسة أكاديمية لتدريس علوم الإعلام تحولت كلية الآداب والعلوم الإنسانية، بحكم اللغات التي تدرس –  العربية و لفرنسية – إلى رافد أساسي للإعلاميين الموريتانيين بالرغم من خلو مقرراتها من أي وحدة بل وحتى مادة لها علاقة بعلم الإعلام، إلا ما كان من عناصر تتعلق بالنحو أو الصرف إذا ما اعتبرنا اللغة وسيلة من الوسائل لتي لا غنى للصحفي عنها للقيام بمهمته الإعلامية، كما احتلت مؤسسات أخرى ككلية العلوم القانونية والاقتصادية والمعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية المرتبة الثانية من حيث ولوج خريجيها لمجال الصحافة في موريتانيا هذا فضلا عن خريجي الثانويات والمحاظر الموريتانية، ممن لم يتحصلوا بعد على شهادات أكاديمية.
إن هذا الواقع المزري لإعلامنا الوطني جعله يرزح ليس فقط تحت وطأة "حالة الاستثناء" وإنما تحت معول ما اصطلحت على تسميته بـ"الاجتهاد الإعلامي"، الذي تظهر بصماته جلية في مخرجاته الإعلامية، بمعنى أن أغلب ما تطالعنا به الصحف والمواقع الالكترونية من مخرجات إعلامية تخلوا من اللمسة التخصصية في مقابل غلبة اللمسات الاجتهادية المتعثرة والبعيدة كل البعد عن المعايير المعتمدة في التحرير الصحفي من حيث هو فنا له أسسه وقواعده التي تشكل قوالبه المعتمدة في مختلف وسائل الإعلام العالمية وتلزم محرريها باعتمادها كقوالب لا يمكن تجاوزها أو التنكر لها في هذا المجال.
كما أن المتابع لبعض صفحات إعلامنا الوطني سيلاحظ بلاشك ذلك التردي الإعلامي المضطرد رغم كل الجهود المبذولة للحد منه من قبل النقابات الصحفية وأيضا الجهات الرسمية الوصية من خلال ما قدمته هذه الهيئات من دورات تكوينية للصحافة العاملة، تذكر فتشكر، والتي تريد من خلالها الرفع من أدائها إلا أن شيئا من ذلك لم يحصل حتى الآن، فلا يزال القارئ المواكب لمخرجات وسائل الإعلام الوطنية يجد صعوبة في التمييز بين الخبر والإعلان والتحقيق والرأي التقرير والاستطلاع على صفحات وشاشات إعلامنا الوطني، بمعنى أنه في بعض الأحيان يظهر على صفحات وشاشات إعلامنا الوطني إعلانا تجريا في ثوب خبر رغم أن الأخير يفترض أن يكون محايدا ومهنيا وبعيدا كل البعد عن الإشهار ونحوه، وهو الأمر نفسه الذي ينطبق على عموم القوالب الصحفية الأخرى من تقارير وتحقيقات وغيرها.
ومن هنا أؤكد حقيقة كنت قد ذيلت بها مقالا كتبته منذ أسابيع  تحت عنوان "الإعلام الموريتاني المقروء.. رؤية من الداخل" والذي يأتي هذا المقال تكملة له، تقول: إن بلدا يئن تحت وطأة ثالوث الفقر والجهل والتخلف حري بنهضة إعلامية مرموقة تضمن له التنمية والتقدم والازدهار.
وأضيف الآن حقيقة ثانية مفادها "أن تلك النهضة الإعلامية المرموقة لن تكون إلا بتكامل تام بين جهود الدولة باعتبارها الوصية على الصحافة والمؤسسات الإعلامية العاملة بالبلد، بحيث تولي الأولى عناية خاصة بالصحافة من حيث الدعم المالي والتكوين وفتح المجال واسعا أمامها للوصول إلى مصادر الأخبار، فيما تحترم الثانية نفسها من حيث اختيار الكفاءات واعتماد المهنية الحقة في ما تقدمه من مواد إعلامية".