لا تزال قضية اعتقال رجال الأعمال الموريتانيين في إطار ما بات يعرف بالحرب على الفساد التي وضعها محمد ولد عبد العزيز على رأس برنامجه الانتخابي والتي شرع فيها منذ البدايات الأولى لحكمه ربما وفاء بتعهده الذي قطعه على نفسه وانتخب من أجله الشغل الشاغل للمواطن الموريتاني الذي لم يألف قط اعتقال رجال الأعمال، بل يصف عملية الاعتقال هذه بالخطيرة على أمن واستقرار البلد ويرجع ذلك إلى قناعته الراسخة بأن رجال الأعمال هم المتحكمون في البلد ويملكون زمام الأمور كما أنهم هم من يتحكمون أيضا في حركة السوق وبالتالي في أرزاق هذا الشعب المسكين ويعتبرون أن محاكمتهم على أي قضية كانت هو نوع من وضع البلد على الهاوية والمجازفة بالأمن الغذائي للشعب الموريتاني.
حرب شعواء..
وقد بدأ الرئيس محمد ولد عبد العزيز حربه الشعواء هذه بعمليات تفتيش يصفها البعض بالواسعة طالت العديد من الإدارات العمومية والشركات الوطنية، تم من خلالها الوقوف على حجم الفساد المنتشر في البلد وتمت محاسبة كل من هؤلاء بالتجريد من الوظائف حيث تم تجريد العديد من الأشخاص من وظائفهم وهو ما يعزوه بعض مناصري الرئيس إلى نتائج التفتيش التي أظهرت حجم الفساد في البلد فيما شكك معارضوه في جدوائية عملية التفتيش أصلا واعتبروها "حقا أريد به باطل" ويستدلون على ذلك بما وصفوه "بالانتقائية" التي مارسها ولد عبد العزيز في عملية التجريد هذه.
أما الخطوة الثانية هي اعتقال أبرز رجال الأعمال الموريتانيين ممن ترى السلطة الحاكمة أنها أثبتت ممارستهم لأعمال فساد من خلال تحويلات مالية تصفها بالمشبوهة عملت بناء على ذلك على مصادرة معداتهم عند شرطة الجرائم المالية حتى يستعيدوا للدولة كل ما أخذوا بغير وجه حق حسب تعبير السلطة، وهو ما أثار جدلا كبيرا في البلد ليس أقله أهمية الاتهامات المتبادلة بين أنصار الرئيس ومعارضيه ففي الوقت الذي يصف فيه أنصار الرئيس الخطوة بالجادة والمعبرة عن وفاء الرئيس بتعهداته أمام شعبه، معتبرين أن قضية الفساد قضية جوهرية ويمكن محاربتها رغم حساسيتها وتشعبها ،وما تحتاجه فقط إرادة قوية وجادة وشجاعة تبعث على الإقدام ولو على خطوة واحدة في اتجاه محاربتها فأول الطريق خطوة، فيما يعتبر معارضو الرئيس الخطوة بغير الجادة، ولا تستهدف سوى الشخصيات المعارضة وبالذات التي امتنعت عن التصويت للرئيس في الانتخابات الأخيرة، فالخطوة – كما يقول أحدهم انتقائية إلى حد الثمالة، ويتساءل آخر ألم يشمل الرئيس في خطاباته الرنانة العديد من الشخصيات التي وصفها آن ذاك بالمفسدة وبأنها هي من أنهكت البلد وعبثت بخيراته وحينما اتجهت الشخصيات نفسها إلى دعمه حتى بعد الانتخابات سكت عنها ولم تطلها حتى الآن أية عملية اعتقال ولا حتى عملية تفتيش؟.
الطريق الشائك..
إن على الرئيس ولد عبد العزيز أن يفهم أن الحرب على الفساد و المفسدين يجب أن تظل على رأس أولوياته حتى لا تظل مقدرات شعبه وهيبة دولته في مهب الريح كما أنها أيضا أساسية في جانب رد الاعتبار للدولة في جميع أبعدها بل يمكن ايضا أن تسترجع الدولة من خلالها بعضا من أموالها وبناها التحتية لتساهم في تنميتها وتدعيم قدرتها المالية التي هي العجلة الأساسية في نماء الدول.
كما أن عليه أيضا أن يفهم أن "الحرب على الفساد" طريق شائك يحتاج سالكه إلى خطوات أكثر تركيزا، بعد أن تسبق بتمهيد للطريق حتى لا يتوقف سالكها في أول الطريق ليعود أدراجها وإلى الأبد.
كما أنها طريق تحتاج مزيدا من قوة العزيمة والتجرد من كل الأهواء والمواقف السياسية ووضع الجميع في سلة واحدة، مساويا بين "القريب" و"البعيد" والموالي والمعارض وبين رجل الأعمال والتاجر الصغير والمسؤول الكبير والموظف البسيط فالكل يجب أن تطاله حملة التفتيش وموجة الإعتقلات ويد العدالة دون استثناء مهما كان موقفه أو موقعه السياسي أو الإجتماعي، لكن انطلاقا من مبدء المساواة.
إلى ينقشع الظلام وتكشف النوايا حول موضوع الحرب على الفساد بشكل عام واعتقال رجال الأعمال منه بشكل خاص وعن مدى جدية هذه الحرب وقدرتها على المواصلة حتى تحصد على الأقل القدر الأدنى من النتائج المتوخاة منها، يبقى أمل الموريتانيين كبيرا في رئيسهم ومن يفترض أن يكون قائد مسيرة الإصلاح فيهم حتى يستعيد لدولتهم الوليدة هيبتها ويحافظ على مقدراتها وثرواتها من يد التخريب والفساد، فهل سيكون الرئيس محمد ولد عبد العزيز عند حسن ظنهم؟ هذا ما ستكشف عنه الأيام المقبلة بإذن الله
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق