من الطبيعي أن يدخل حاملو الشهادات في حركة متسارعة مع كل إعلان عن مسابقة وطنية جديدة وهم من إكتتوا بنار البطالة ويريدون أن يتفيئوا ظلال الوظيفة العمومية الغير وارفة أصلا بعد ما عانوه أيام التحصيل من نكد وتهميش بالرغم أنهم يمتهنون أشرف مهنة على الإطلاق ألا وهي مهنة التحصيل العلمي.
لكن من المخجل والمؤسف أيضا أن توازي تلك الحركة أخرى أكثر نشاطا أبطالها أباطرة من المفسدين قد نخر الفساد عظامهم وعمت بهم البلوى في البر والبحر، همهم الوحيد هو أن يحصلوا على ما يملئوا به جيوبهم ولو كان ذلك عن طريق رشوة صريحة فقد علمتهم متطلبات المهنة أن الحياء ليس شعبة من شعبها بل يتناقض بشكل صريح مع متطلباتها.
وللعلم فهذه الحركة ناتجة عن عمل أمتهنه العديد من أبناء البلد وتهدف إلى إيصال كل من لم يستفد استفادة حقيقية أيام التحصيل العلمي – إن سبق له أصلا أن مر بتلك المرحلة – وأصبحت بذلك قدراته العلمية لا تأهله لشغل وظيفة عمومية، إلى مبتغاه والمتمثل في إيصاله - وهو من أتصف بكل الصفات السالفة - إلى الوظيفة التي يود شغلها فقط مقابل مبلغ زهيد يعرف طريقه إلى جيوب هؤلاء السفلة الذين هم خلية سرطانية في جسم وطننا العزيز، ضف إلى ذلك الإبعاد الغريب والمقصود الذي يمارسونه ضد من أسعفتهم أيام التحصيل في نيل حقهم في التوظيف وشغل المناصب السيادية بل في حقهم في قيادة البلد وتسيير موارده وترشيدها حتى تضع بذلك قطار النهوض به على سكة آمنة.
هذه الحركة المنظمة عند الإعلان عن المسابقات الوطنية حيث يبدؤون بعملهم الروتيني والذي يبدأ عادة بإيداع ملفات من تعاقدوا معهم من أجل تجاوز المسابقة بطرق غير شرعية من خلال إدخالها من الأبواب الخلفية أحيانا أو إيداعها خارج الدوام الرسمي في أحايين أخرى ولا تنتهي مهمتهم على هذا الحد بل عليهم أن ينتظروهم عند أبواب مراكز الامتحان حين إجراء المسابقة ليتسلموا من عندهم أوراق "التسويد" التي أوصاهم في السابق أن يحتفظوا له بها والمراد هنا هو تسليمها لأحد المصححين ممن يتعاملون معه في هذا المضمار وهم كثر هذا إذا لم يكن هو من بينهم، عله أن يجد أوراقا مطابقة للأوراق "التسويد" التي عنده ويكون التطابق فيما تحمله الأوراق من معلومات وكذا نوعية الخط بل في لون الحبر حتى- لأن من احترافهم أيضا أن يعطوا للمتعاقدين معهم أقلاما ذات حبر أسود جاف ليتميزوا عن باقي زملائهم – فيعطي – أعني المصحح - لهذه الأوراق المميزة درجات تضمن لأصاحبها النجاح بل والتفوق غالبا، ضف إلى ذلك متابعة أخرى عند المقابلات الشخصية (التقويم الشخصي)التي يخضع لها المترشحون، وعند ظهور أسماء هؤلاء ضمن لائحة الناجحين في المسابقة، يتسلم هؤلاء السماسرة رشوتهم وهي مبلغ سبق أن اتفقوا عليها أصلا مع أولياء أمور المترشحين ليتقاسم السماسرة فيما بعد وبحفاوة عالية تلك الغنائم التي أشبه ما تكون بغنائم ممتهني السرقة.
ورغم ما لهذه الظاهرة من خطر على مستقبل الوطن وما تتسبب فيه من سلبيات ليس أقلها شأنا تشجيع ظاهرة هجرة الكفاءات وحرمان الوطن خدماتها بعد أن وجدت أن حقها يستلب منها وبأبشع الطرق وعلى مرأى ومسمع منها دون أن تستطيع فعل أي شيء لاسترداد حقهم المسلوب بل قد تكون أسوء حظا حينما تحاول ذلك، وما تحدثه من هواجس نفسية داخل الأوساط التي اختارت طريق التعليم واكتساب الخبرة والكفاءة سبيلا لوصولها إلى حقها في التوظيف وإشراكها في عملية البناء والنهوض بالوطن في كل ميادينه الحياتية، إلا أنها مازالت مستشرية بشكل ملفت بل أخذت أشكالا أكثر تطورا من ذي قبل.
ومن هنا أنتهز هذه الفرصة لأدعوا كل ممتهني الرشوة إلى التوبة قبل فوات الأوان، فيكفي ما سلبوا من حقوق وآن الأوان لإعطاء الفرصة لأصحاب الكفاءات حتى يلعبوا دورهم المنوط بهم.
كما أهيب بالرئيس محمد ولد عبد العزيز أن يضع حدا لهذه الممارسات الخطيرة في إطار التأسيس لبناء موريتانيا الجديدة وأن تشمل هؤلاء سياسة المحاسبة التي تطال الآن عدة قطاعات في الدولة، فهم الأولى بالمحاسبة والأجدر بالعقوبة.